الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

الآثار السياسية لجائحة كورونا على الأمن القومي المصري (الجزء الرابع)

أمانة السياسات العامة - حزب الإصلاح والنهضة

النظام العالمي 

قبيل حدوث جائحة كورونا كان العالم على أعتاب تغير في بنية النظام العالمي؛ من نظام أحادي القطب تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية ، إلى نظام مازال في طور التطور والتشكل يتجه نحو التعددية القطبية تتنافس القوي الكبرى فيه على مقدارت الهيمنة والنفوذ للصعود كقوى عظمى ببنية النظام العالمي مقابل محاولة القوة العظمى المهيمنة “الولايات المتحدة” الحفاظ على الوضع الراهن الداعم لتفوقها ونفوذها.

وكان من أبرز دوائر الصراع والتنافس

  1. النفط و مقدرات الطاقة 
  2. السيطرة على الأسواق التجارية 
  3. التفوق العسكري
  4. التفوق التكنولوجي 

لقد استطاعت الصين السيطرة على أزمة كورونا من خلال قدرتها على الضبط الاجتماعي عبر الإعتماد على طرق رقمية مبتكرة، وقدمت نموذجًا ناجحًا وصاعدًا مقابل النموذج الغربي الذي أخفق في التعامل مع الأزمة، ثم مازال الصراع محتدم بين سينوفارم الصينية و فايزر الأمريكية من أجل اللقاح وذلك ما رسخ قضية التنافس بين الولايات المتحدة ، بوصفها قوة مهيمنة، والصين، بوصفها قوة صاعدة ستجعل العالم متعدد الأقطاب ربما

 

ثم إن هذه الجائحه مثلت تحديًا واختبارًا لمسارات العولمة :

فمن ناحية تحولت سياسات الدول فى مواجهة الجائحة فجأة إلى الإنغلاق والعزلة ووقف حركة النقل والتبادلات في مختلف المجالات خاصة التجارية منها مما أحدث هزة كبيرة نتيجة انهيار سلاسل التوريد و الطلب المتزايد على بعض القطاعات خصوصًا الطبية مما خلق نوعًا من عدم الاستقرار واللاتوازن على مستوى حاجيات الدول، حتى أن بعض التكتلات الإقليمية كالإتحاد الأوروبى اتسم تعامل دولها مع الأزمة  بالفردية والانعزالية و ضعف دور المفوضية الأوروبية التي عجزت عن القيام بدور تنسيقي حقيقى كل هذا رغم أزمة بريكست التى مازلت أوروبا تحاول التعامل معها 

 الأمر الذي سيفرض على الدول مرة أخرى إعادة الاعتبار للحدود الوطنية و الدولة القومية كملاذ في وقت الأزمات الكبرى والاعتماد على الكفاءة والإنتاجات المحلية, ومن ثم إعادة تشكيل الجغرافية السياسية.

 

و من ناحية أخرى كشفت الأزمة هشاشة منظمات المجتمع الدولى من حيث فاعلية دورها في إدارة الأزمات الدولية ومدى استيعابها لحجم المخاطر والتحديات المستجدة التي تواجه المنظومة الكونية 

و لعل قصور إن لم يكن فشل منظمة الصحة العالمية – وهى المنظمة الدولية المنوطة بالأمن الصحي و الحارس للصحة العامة –  في العديد من الاختبارات خصوصًا في شق الأمراض الوبائية، وذلك بسبب عدم استجابتها السريعة للأزمات الصحية العالمية، بحيث ظهر للعيان خصوصًا في ظل جائحة كورونا مدى التردد والتناقض في تقديم البيانات واتخاذ القرارات من لدن المنظمة، بل وتقديم معلومات خاطئة حول الإرشادات التي يجب على الدول الالتزام بها، وكذا فيما يخص التجارب الخاصة ببعض الأدوية لعلاج مرضى كورونا  ومدى نجاعتها وعلى رأسها الهيدروكسي كلوروكين بالإضافة إلى الخلل في إعطاء معلومات غير دقيقة حول اللقاحات المحتملة 

وقد لاقت بسبب ذلك هجمات لازعه على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي قررت سحب تمويلها للمنظمة وهي التي تعتبر أكبر مساهم في منظمة الصحة العالمية بما يناهز 400 إلى 500 مليون دولار سنويًا أي بنسبة تتراوح ما بين 10 إلى 15 بالمائة من ميزانية المنظمة

كل هذا جعل مؤسسات المجتمع الدولي فى حاجة لإصلاح عاجل و مشاركات واسعة و متنوعة من الدول لجعلها أكثر كفاءة واستجابة للأزمات الدولية الفجائية

 

إجمالاً يمكن القول بأن ملامح النظام الدولي التى باتت تتشكل أسرع بعد جائحة كورونا ستصب فى صالح التمنية الشاملة للدولة المصرية إن أحسن إستغلاله

 

العلاقات الخارجية والأوضاع الإقليمية 

قامت مصر بمحاولة تقوية علاقاتها الخارجية و نفوذها الإقليمى خلال الأزمة من خلال الاعتماد على ما سُمي بدبلوماسية الكمامات أودبلوماسية الصحة من خلال تقديم مساعدات طبية لبلدان مختلفة حيث قامت الحكومة بإرسال شحنات عديدة من المساعدات الدوائية والمؤن إلى دول مختلفة مثل الصين، وإيطاليا، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والسودان، وجنوب السودان، وغيرها.

و بالنظر إلى الأوضاع الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط  وهي منطقة أزمات و تتصارع على النفوذ فيها قوى إقليمية و دولية على مر التاريخ 

نجد أن المنطقة تمر بالعديد من التحديات التى تلقى بظلالها على الدولة المصرية 

لعل أبرزها الأزمة  الليبية حيث الحدود المشتركة و تحدى الإرهاب العابر للحدود ، و الآخرى الأثيوبية حيث المياه ، و كلاهما تهديد مباشر للأمن القومى والوجود المصري. و كانت تقوم استراتيجية الدولة المصرية فى معالجة هذا النوع من الأزمات على ركيزتان: 

  • أولها أمني واستراتيجي وهي التي تقوم عليها القوات المسلحة المصرية والأجهزة المعنية.
  • ثانيها تنموي واستراتيجي أيضًا لأن  التنمية جوهرها هو بناء عناصر القوة المصرية الخشنة والناعمة والذكية المادية والبشرية.

أما بالنسبة للأزمة الليبية فمع تحول فيروس كورونا إلى التحدي الأكبر للقوى الكبرى والإقليمية ذات المصلحة في ليبيا، فقد أثر ذلك على حالة الحرب و إن كان تأثيرًا طفيفًا و أعطى مصر كدولة جوار فرصة أكبر لتكون لاعب أكثر تأثيرًا على أساس اعتبارين أساسيين :

الأول أن الصراع الليبي يتخذ شكل الحرب بالوكالة، وبالتالي إذا كان الرعاة مشغولين بمحاربة كورونا، فإن الوكلاء قد يتأثرون بالتبعية بذلك، سواء على صعيد الدعم السياسي أو الاقتصادي أو إمدادات السلاح، لاسيما مع حركة إغلاق الحدود ومخاوف الدول من أي تفاعلات خارجية قد تؤدي إلى انتشار الفيروس لديها. 

أما الاعتبار الثاني فيتعلق بأن حالة الإنشغال العالمي بكورونا قد تؤثر على الجهود الدبلوماسية الأممية والدولية لتسوية الصراع، والتي أخذت وتيرة متصاعدة منذ مؤتمر برلين ، حيث عُقدت بعده اجتماعات للمسارات الثلاثة، السياسية والاقتصادية والعسكرية. 

 

و قد تكللت مساعى مصر بالنجاح مع بدايات 2021 بعد أن تسلمت حكومة الوحدة الوطنية الجديدة في ليبيا مهام عملها و أصدرت ليبيا ومصر إعلانا مشتركا في ختام زيارة وفد مصري برئاسة رئيس الحكومة المصرية للعاصمة الليبية طرابلس فى ابريل 2021

نص على تطوير العلاقات الثنائية في شتى المجالات، وعلى مختلف الأصعدة الأمنية و السياسية والاقتصادية والاجتماعية

و أما بالنسبة لأزمة إثيويبا و سد النهضة فقد كان هناك تخوف لدى بعض الاطراف أن تسغل إثيوبيا انشغال العالم فى الجائحة و تتخذ إجراءات متسارعه لبدئ ملئ و تشغيل السد ولكن كان لتداعيات كورونا ثم قطع المساعدات الأمريكية عن الحكومة الإثيوبية في أغسطس الماضي ثم الصراع الداخلى مع إقليم التيجراي و الجراد الصحراوي الذى يهدد بأزمة غذاء محتملة  

و من ثم زيادة التعاون المصري السوداني بعد زيارة الوزير عباس كامل ثم زيارة رئيس الأركان و التدريبات العسكرية المشتركة ثم زيارة الرئيس السيسي لجوبا و الخرطوم  و الذى اتاح  فرصة كبرى لمصر لكسب مزيد من أوراق الضغط على إثيوبيا  

 

الأمن الغذائي 

نعنى بالأمن الغذائي قدرة الدولة على توفير احتياجات الغذاء الأساسية لأفراد الشعب و يعتبر الأمن الغذائى هدفًا إستراتيجيًا تسعى إليه جميع الدول لإرتباطه الشديد بأمنها القومي مع أنه يظل تحديًا كبيرًا بالنسبة لمعظم الدول لعوامل داخلية و خارجية 

لقد انخفضت الأسعار العالمية للغذاء في ظل أزمة كورونا خلال شهر مارس 2020 مقارنة بشهر فبراير 2020 حيث بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية و الزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لأسعار الغذاء 172.2 نقطة بإنخفاض بلغ 4.3% و لعل أبرز أسباب هذا الإنخفاض كانت (هبوط أسعار النفط – الإمدادات الكبيرة في الإنتاج العالمي من العام الماضي – التدبيرات و الإجراءات الإحترازية وما ترتب عليها من صعوبات لوجيستية – سياسات الدول المصدرة و المستوردة للسلع ) 

و صرحت إليزابيث بيرز المتحدثة بإسم برنامج الاغذية “إن تعطيل الإمدادات الغذائية بسب الجائحة لا يزال في أدنى مستوياته و أن إمدادات الغذاء كافية و الأسواق مستقرة نسبيًا و المستويات مريحة من المخزونات العالمية للحبوب ” 

و وفقًا للتقارير العالمية فى رصد القطاعات المتضررة من الجائحة فإن القطاعات التى و إن كانت قد تأثرت سلبًا فإن ذلك كان في حدود دنيا هي قطاعات الصناعات البتروكيميائية ثم الزراعة 

 و عامة يعد استمرار انخفاض الأسعار العالمية للغذاء في صالح الاقتصاد المصري حيث يساهم في خفض قيمة الفاتورة الغذائية و يقلل من عجز الموازنة و يخفف العبئ على الاحتياطي النقدي  

و لكن فى حالة ارتفعت الأسعار كما تتوقعها بعض التحليلات فإن ذلك سينعكس سلبًا على الاقتصاد المصري ممثلا في زيادة قيمة فاتورة الواردات و زيادة عجز الموازنة و أعباء إضافية على الإحتياطي النقدي 

 ولقد بات جليًا في ظل التغيرات الدولية و هشاشة النظام العالمي أن الاعتماد على الذات في تلبية الاحتياجات الغذائية أصبح قضية مصير و وجود ولابد من إعادة صياغة الاستراتيجيات و السياسات و ترتيب الأولويات لتحقيقه 

و يدفعنا ذلك لوضع حلول قصيرة و متوسطة و بعيدة المدى  لمواكبة الأزمة المتوقعه فى السلع الغذائية :

على المستوى قصير المدى 

  1. ضرورة تفعيل جاد و حقيقى لدور جهاز حماية المستهلك و الأجهزة الرقابية لضبط الأسواق بالتعاون مع الوحدات المحلية 
  2. تغليظ العقوبات على الممارسات غير المشروع من بعض التجار و الشركات مثل تخزين السلع بغرض الإحتكار والتحكم فى الأسعار 
  3. إنشاء مناطق لوجيستية بمختلف محافظات الجمهورية 

 

على المستوى متوسط المدى 

  1. إنشاء بورصة لتحديد الأسعار لتسهيل الرقابة على الجهات المختصة 
  2. تأهيل بنية تحتيه لرفع المخزون الإستراتيجي من السلع الأساسية 
  3. تشجيع الإستثمار في المجالات المتعلقة بالسلع الإستراتيجية 

 

على المستوى بعيد المدى 

  1. التوسع في زراعة و صناعة السلع الإستراتيجية بما يحقق الإكتفاء الذاتي منها 
  2. الاستثمار في البحوث الزراعية و التدريب 
  3. تنظيم معدل الزيادة السكانية 
  4. إعادة إحياء التعليم الفني الزراعي و الصناعي 
  5. الشراكة الإستراتيجية مع دول الجوار المنتجة للسلع الأساسية كالسودان

 

تكنولوجيا المعلومات و التحول الرقمي 

كان قطاع تكنولوجيا الملعومات حسب التقارير العالمية هو أحد القطاعات التي أزدهرت  فى فترة أزمة الكورونا 

فقد كانت الأساليب التقليدية في العمل و الإنتاج شبه مستحيله في ظل سياسات العزل و الغلق المجتمعى مما أدى إلى تغيرات جذرية في صناعة تكنولوجيا المعلومات في مصر و العالم و التى تعتبر واحد من أهم الصناعات التى تتنافس فيها القوى العالمية 

لقد كان لتكنولوجيا المعلومات دور رائد خلال أزمة كورونا سواء على مستوى :

  1. مكافحة الجائحة 

وقد استخدمت الصین التكنولوجيا لإحتواء الوباء من خلال استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات و تطبيقات مختلفة أخرى للكشف عن المرض و استخدمت كذلك طائرات الدرون و الروبوتات للوصول إلى مناطق العزل و استخدما تكنولوجيا الجيل الخامس (شركتى ZTE و اتصالات الصین) لانشاء شبكة تربط الأطباء بالمرضى في الصين لتسهيل عمليات التشخيص و تقديم العلاج  

 

كما ثبتت الصين كاميرات مراقبة عند الأبواب الأمامية للمشتبه بهم المحجوزين من أجل الحجر الصحى و تم توصيل هذه الكاميرات بأنظمة الذكاء الاصطناعى أيضًا (AI) لتنبيه المسؤولين كلما حاول أي من المشتبه بهم مغادرة مكان الحجر 

 

و لقد استخدمت شركة جوجل تطبيقاتها التي تتعرف على المواقع  و تجمع معلومات خاصة بموقع  (location) مستخدميها، ليل نهار، لتخبرك ما إذا كان سكان منطقة ما يلتزمون بتطبيق بروتوكول التباعد الاجتماعى أم لا 

كما تم استخدام العديد من التطبيقات و المنصات الاجتماعية لنشر الوعي و تقديم المشورة الطبية

 

وتوقعت شركة IBM استخدام القدرة الحاسوبية لتطوير خوارزميات لتقييم كيفية تطورفيروس كورونا ونمذجة العلاجات المحتملة سعيًا للوصول إلى لقاح 

و قد كتب فى ذلك  داريو جيل مدير أبحاث شركة IBM  “تسمح أنظمة الحوسبة عالية الأداء هذه و التى تم اتاحها للباحثين بإجراء عدد كبير جدًا من الحسابات في علم الأوبئة  والمعلومات الحيوية والنمذجة  الجزيئية  حيث كانت هذه التجارب تستغرق سنوات حتى تكمل إذا تم إجراؤها يدويًا أو شهور إذا تم معالجتها على منصات حوسبة تقليدية أبطأ”.

 

  1. تسير العمل و لو بشكل جزئى فى معظم القطاعات 

ساعدت التكنولوجيا المصريين فى تسير أعمالهم و قضاء مطالبهم في جميع القطاعات التي يحتاج المواطنون إليها، ومن بينها التسوق عبر الإنترنت والتعليم عن بعد، ومباشرة الموظفين أعمالهم من المنزل دون الضرورة للوجود في مقر الشركة

و مما يثير الإهتمام أن 81% من الشركات الناشئة قالت أنها تفضل اتباع نموذج العمل الهجين (عن بعد و من المكتب) فى المستقبل و يفضل 11% منهم نموذج العمل عن بعد بدوام كامل بينما تريد 8% فقط منهم العوده إلى الحياة المكتبية التقليدية 

 

تعد مصر من الدول التى لا تلقى فيها تكنولوجيا المعلومات رواجًا واسعًا مقارنة بدول العالم المتقد فقد جاء ترتيبها في مؤشر الإتصال العالمي 58 من 79 دولة بقيمة 37 نقطة من 120 و هو ترتيب منخفض جدًا  

وقد حقق قطاع تكنولوجيا المعلومات و الإتصالات أعلى معدل نمو في الناتج الإجمالي المحلي بلغ 16,7% عام 2019 

و تمتلك الدولة المصرية فرصة قوية للاستثمار في هذا المجال سواء فى الاستخدامات المدنية أو حتى العسكرية و بناء بنية تحتية تدعم عملية التنمية المستدامة و تضع مصر فى مصاف الدول المتقدمة 

فقد بلغ عدد شركات تكنولوجيا المعلومات في مصر 1199 في عام 2019 حسب إحصائية وزارة الإتصالات و بلغ عدد الخريجين الذين يمكن الاستفادة منهم فى خدمات تكنولوجيا المعلومات أكثر من 500 ألف خريج من الجامعات المصرية 

 

القطاع الصحي و الصحة الرقمية 

أكدت منظمة الصحة العالمية أن تعزيز النُظم الصحية وجعلها أكثر إنصافًا يعد من الاستراتيجيات الأساسية لمكافحة الفقر وتعزيز التنمية و هو ركيزة اساسية من ركائز الأمن القومى 

و النظام الصحي الجيد هو ذلك الذي يسهم في تحسين حياة الناس بشكل ملموس يومًا بعد يوم و يوفر خدمات تلبي الاحتياجات الطبية بأسعار منصفة و يضمن معاملة الناس على نحو لائق 

و بالرغم من أن مصر ليست بؤرة مركزية للمرض ولم يحدث بها تفش للفيروس بنفس القدر الذي حدث في دول أخرى (بلغ إجمالى عدد الإصابات حتى منتصف ابريل 2021 نحو 218 ألف و 12 الف حالة وفاة ) إلا أن ظهور فيروس كورونا أدى إلى بروز تحديات كبيرة أمام النظام الصحي الحالي، والقائم على أساس مواجهة الأمراض والأوبئة المتوطنة والتي يسهل التنبؤ بها وبمسارها، بل وجدت جميع دول العالم بمن فيهم الدول التي تمتلك نُظمًا صحية متقدمة ورعاية صحية فائقة نفسها أمام خطر من نوع جديد لا يوجد له علاج أو لقاح محدد واقتصر دور النظام الصحي الحالي فى مصر على محاولة تقليل المخاطر الناجمة عن الفيروس من خلال توفير رعاية صحية تتعامل مع تداعيات الفيروس مثل خوافض الحرارة وأجهزة التنفس الصناعي ومقويات المناعة

 

إن النظام الصحي الحالي في مصر يتبع نموذج الدفع من الجيب  THE OUT-OF-POCKET MODEL، وهذا النموذج هو الأكثر انتشارًا على مستوى العالم  و هناك عدة معضلات قديمة لدى النظام الصحى في مصر أبرزها ضعف الإنفاق على القطاع (بلغ في موازنة 2019/2020 نحو 73,1 مليار جنيه يعادل 1,2% من الناتج المحلي الإجمالي) و وجود عجز في الأطقم الطبية و قلة عدد الأسرة بالمستشفيات وخصوصا أسرة العناية المركزة، بالإضافة إلى تراجع دور مستشفيات الحميات – وهي من مرتكزات المكون الوقائي- و تقلص عددها إلى 40 مستشفى و قد أدى عدم كفاية مستشفيات الحميات إلى زيادة الضغط على مستشفيات وزارة الصحة و قيام الوزيره باتخاذ قرار في 24 مارس الماضي بإيقاف العمل داخل العيادات الخارجية الخاصة بمستشفيات التأمين الصحي وهيئة المستشفيات التعليمية وأمانة المراكز الطبية المتخصصة والمؤسسة العلاجية، باستثناء صرف العلاج الشهري المتكرر من عيادات التأمين كذلك اقتصار العمل بالمستشفيات العام والمركزي على استقبال الحالات الطارئة وإغلاق كافة العيادات الخارجية بالمستشفيات ونقلها إلى مراكز ووحدات طب الأسرة طبقا للخطة الموضوعة من كل مديرية، تفعيل عيادات التخصصات الأساسية فقط ( الباطنة العامة – الأطفال – أمراض النسا والتوليد – الجراحة العامة – جراحة العظام ) بالمراكز والوحدات الصحية بالتعاون بين أطقم المستشفيات وأطقم الوحدات الصحية

 وكان من تداعيات فيروس كورونا على النظام الصحي المصري فضلا عن الإصابات فى الفريق الطبي تعطل استكمال افتتاح وتشغيل مشروع التأمين الصحي الشامل الجديد بباقي محافظات المرحلة الأولى و كذلك توقف مؤقت فى برنامج المبادرات الرئاسية في المجال الصحي كـ مبادرة 100 مليون صحة و كذلك أدى الضغط على المستشفيات إلى توقف مبادرة القضاء على قوائم الانتظار و القوافل الطبية و التى بدأت فى الرجوع التدريجى مع بداية 2021

و رغم الضعف الشديد في القطاع الصحي وإمكانته فى مصر إلا أن الحكومة المصرية نجحت فى إدارة أزمة كورونا على المستوى الطبي فى موجات الجائحة المختلفة الى الان 

فحسب تصريح لـ جون جبور رئيس مكتب منظمة الصحة في مصر فى بداية الأزمة قال إن استجابة الحكومة كانت سريعة حتى الآن. وقال مكتبه لرويترز إنه تم تخصيص 2000 سرير لعلاج كوفيد-19، نصفها في وحدات العناية المركزة و600 منها مزودة بأجهزة تنفس صناعي، بينما تم تسليم 400 ألف من معدات الفحص. وقال جبور “هذا جاهز للزيادة… كلما حدثت زيادة في عدد حالات كوفيد-19”.

 

و في تقرير قدمته الحكومة للبرلمان فى نوفمبر 2020  :

فإنه قد تم رفع درجة الإستعداد القصوى بجميع أقسام الحجر الصحي بجميع المنافذ مع بداية الأزمة ، ومتابعة وفحص ومناظرة جميع الحالات القادمة من مناطق متأثرة بالمرض.

كما اطلقت وزارة الصحة  خلال فبراير الماضي، خدمة الخط الساخن 105 – 15335؛ لتلقي الاستفسارات والبلاغات عن الحالات المصابة أو المشتبه فيها 

وفيما يتعلق بتعزيز البنية التحتية الطبية وتوفير المستلزمات والسلع الاستراتيجية، أشار التقرير إلى أنه تم ضخ 11 مليار جنيه لدعم القطاع الطبي وتلبية الاحتياجات المُلحة، وكذا تم تخصيص 2.8 مليار جنيه لزيادة بدل المهن الطبية بنسبة 75%، فضلا عن اعتماد 400 مليون جنيه سنويًا؛ لتعيين الكوادر الطبية اللازمة لدعم القطاع الصحي في مواجهة فيروس “كورونا”. 

وأوضح التقرير أن الهيئة المصرية للشراء الموحد تولت التدبير المباشر، وبشكل فوري، لاحتياجات كل مستشفى على حدة، فيما اتخذت وزارة التجارة والصناعة قرارًا بوقف تصدير الكحول والكمامات ومستلزمات الوقاية من العدوى، لمدة ثلاثة أشهر، كما تم توفير احتياطي استراتيجي من كافة المستلزمات الطبية.

وتابع التقرير في هذا الصدد أنه تم تفعيل عمل 340 مستشفى عامة ومركزية لتقديم الخدمة الطبية لمصابي “كورونا”، وتم الانتهاء من تحويل 77 مستشفى حميات وصدر إلى مستشفيات عزل، وكذا تم تخصيص 31 مستشفى جامعيًا للعزل الصحي والعلاجي، بالإضافة إلى الإعلان عن  جاهزية 26 مدينة جامعية لتكون مستشفيات عزل، بإجمالي 38589 غرفة و69070 سريرًا و وضعها أمام تصرف وزارة الصحة ، وقيام وزارة الشباب والرياضة بتسليم عدد من المنشآت لوزارة الصحة بإجمالي 998 غرفة، والتي بلغت قوتها الاستيعابية 3799 فردًا. 

كما أشار التقرير إلى أن القوات المسلحة المصرية رفعت درجة الاستعداد لعدد 45 مستشفى عسكري بعدد ١٢١٩٠سريرًا، منها ١٤٠٠ سرير رعاية مركزة مزودة بعدد ٦٩٢ جهاز تنفس صناعي، وتخصيص 22  مستشفى عزل بإجمالي عدد ٢٩٩٩ سريرًا، كما قامت بتجهيز 4 مستشفيات ميدانية متنقلة بطاقة 502 سرير مجهزة، و1000 عربة إسعاف منها 472 عربة عناية مركزة، فضلا عن تطوير خطوط إنتاج مصنع الماسكات الطبية ليعمل بمتوسط طاقة إنتاجية 100 ألف ماسك/ اليوم. 

و مع بداية ظهور اللقاحات التى اعطيت اجازة استخدام طارئ حاولت الحكومة المصرية توفير عدد من اللقاحات المعتمدة لمواطنيها عبر تنويع الموردين 

ففي سبتمبر 2020، أعلنت روسيا عن إتفاق مع مصر لتزويدها بما يصل إلى 25مليون جرعة من لقاح “سبوتنيك فى”

وفي ديسمبرمن نفس العام  تلقت مصر 50 ألف جرعة من لقاح سينوفارم الصينى هدية من دولة الإمارات ثم تلتها شحنه أخرى من نفس اللقاح فى فبراير 2021 هدية من الصين ثم طلبت مصر شراء   بـ20مليون جرعة إضافية.

كما عقدت مصر إتفاق لتوريد 20 مليون جرعه من لقاح «أسترازينيكا-أكسفورد» والذي وصلت 50 ألف جرعة منه للقاهرة يناير 2021.

وذلك بالإضافة إلى تعاقد مصر على 20 مليون جرعة من خلال تحالف “كوفاكس” يفترض أن تبدأ إستلامها في يونيو القادم.

و مؤخرا فى ابريل 2021 وقعت الحكومة المصرية اتفاقيتين مع الحكومة الصينية لتصنيع لقاح “سينوفاك” الصيني في مصر مما يدعم كفاية السوق المصرى و يساعد على نقل التقنية الفنية فى هذا المجال الحيوى فضلا عن فتح افاق اقتصادية من خلال ان تكون مصر بوابة لتصدير اللقاح لإفريقيا 

 

و يعد المشهد الحالي فى ظل أزمة كورنا مواتيا للدفع بسياسات فاعلة تتسق مع ما ورد في الدستور الجديد من اهتمام بالصحة. ويتعين في هذا الإطار أن تتزامن زيادة الاستثمارات في الصحة مع إجراء إصلاح للقطاع الصحي يشتمل على معالجة أوجه القصور الحالية في كفاءة استخدام الموارد المتاحة، وضمان أن تحقق هذه الاستثمارات المردودات الصحية المرجوة مقابل الأموال المنفقة

و يمكن إجمال الخطوط العامة المقترحة لتطوير المنظومة الصحية فى الأتى: 

1- رقمنة قطاع الصحة و البنية المعلوماتية 

فقد سلطت أزمة كورونا الضوء على أدوار التكنولوجيا الرقمية و دور الصحة الرقمية (Digital Health)  و الاستفادة من الذكاء الإصطناعى و تعلم الآلة في التعامل مع الجائحة من خلال 

  • تطوير نظام شامل للتسجيل الطبي الإلكترونى  (Electronic medical record) تربط جميع وحدات القطاع الصحي 
  • تطوير نظم الإنذار المبكر
  • تطوير نظم التوعية الصحية و الإستشارات الطبية 
  • حصار البؤر الوبائية بإستخدام التطبيقات الذكية 

 

2- توسيع دائرة البحث العلمي في مجال إنتاج الأدوية واللقاحات

3- تدريب الكوادر الطبية و العاملين في القطاع الصحي لا سيما على أساليب مكافحة العدوى

4- تطوير البنية التحتية الصحية و زيادة عدد الأسرة 

5- الارتقاء بمستشفيات الصدر والحميات

6- توطين صناعة أجهزة التنفس الصناعي و الأجهزة الطبية 

7- التغطية التأمينية الشاملة لجميع المواطنين

 

البحث العلمي 

يعد البحث العلمي ركیزة التحدیث والتطور و صمام أمان للدول والمجتمعات فى تامين مصالحها و الحفاظ على أمنها القومى ، وهو وسیلة للدول النامية للحاق بالدول المتقـدمـة، ومع ظهور جـائحـة فیروس كورنـا ازدادت أهمية البحث العلمي و الاهتمـام بالعلماء لدورهم في التعامل مع الفیروس و تداعياته

 

و أتت مصر في المركز التاسع وسط عشر دول كبرى هى أمريكا وفرنسا و الصين و إيطاليا و أسبانيا و ألمانيا وانجلترا و كندا و مصر و الدنمارك من حيث الأبحاث و الدراسات المقدمه لمحاولة ايجاد العلاج الأفضل لمرضى كورونا في العالم طبقًا لما نشره موقع finbold  و موقع clinicaltrials.gov العالمي 

و قامت مصر فى هذا الصدد بالعديد من الدراسات البحثية الاكلينيكية مثل دراسة التحليل الوراثي لسلالة الكورونا  المنتشرة في مصر و تتبع محتواها الجينى و دراسة تأثير عقار الكلوروبرومازين فى علاج المرضى و دراسة فعالية عقار فاڤيبريڤيرو دراسة معدل نسبة الالتهاب، C-Reactive Protein، و علاقتها بتطور الحالة و دراسة العلاج بالبلازما الغنية بالأجسام المضادة و دراسة العلاج بالخلايا الجذعية و دراسة تأثير المضاد الحيوي الأزيثرومايسين و غيرها  

 

كما شاركت مصر من خلال فريق بحثي كبير في الدراسة التضامنية solidarity trial الخاصة بمنظمة الصحة العالمية والتي اشترك فيها 100 دولة، و تم إجراء هذه الدراسة في مصر في جميع مستشفيات العزل.

 

كما أن مجلة لانست “Lancet infectious diseases journal” التي تعد من أكبر المجلات العلمية العالمية في مجال الأمراض المعدية والأبحاث الطبية قامت باعتماد ونشر “ورقة بحثية” مقدمة من فريق بحثى متخصص من وزارة الصحة والسكان المصرية، تتضمن فرضية حسابية لأعداد الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد في مصر استنادًا إلى طرق مختلفة تطبقها بعض مناطق ودول العالم، حيث قامت المجلة باعتماد قبول الورقة البحثية للنشر على موقعها فى السابع والعشرون من شهر إبريل 2020، و كانت هذه هي المرة الأولي لقبول ورقة بحثية من وزارة الصحة المصرية في مثل هذه المجلات العلمية ذات الثقل الدولي.

 

و من خلال تحلیل ما تعهدت به بعض الحكومات في دول العالم من زيادة مخصصات الإنفاق على البحث العلمي عقب أزمة كورونا، يمكن القول باستيعاب صانعي القرار بهذه الدول و من ضمنها مصر لمدى أهمية البحث العلمي

 

و ارتفع الانفاق على البحث العلمي في مصر من 8.52 مليار جنية في 2012 إلى 53 مليار جنية فى موازنة 2019/2020 و تم زيادتها بنحو 7 مليار جنية لتبلغ 60 مليار جنية في موازنة 2020/ 2021 وفق البيان التمهيدي لوزارة المالية

و يأتي معظم تمويل البحث العلمي من موارد الدولة فقط أما مشاركة القطاع الخاص فتكاد تكون منعدمة 

 

و تفتقد مصر البنية التحتية و المعلوماتية اللازمة لتطوير البحث العلمي بالإضافة إلى ضعف الإنفاق على البحث و التطوير مع إحجام أصحاب الأعمال و القطاع الخاص عن تدعيم البحث العلمي و تركيز إنتاج الجامعات و المراكز البحثية على النشر العلمي لغرض الترقية و قلة التركيز على الأبحاث ذات الطابع التطبيقي و التطويري و ضعف إقبال أعضاء هيئة التدريس في الجامعات على مشروعات الجهات الممولة مع ضعف التسويق للجامعات المصرية و مراكزها البحثية و محدودية العمل بنظام المستشاريين العلميين لمصر في الخارج لربط البحث العلمي المصري بالإنجازات العلمية العالمية

 

أمانة السياسات العامة

حزب الإصلاح والنهضة