الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

د. ولاء بلال تكتب: ثورة ٣٠ يونيو والهوية الثقافية للمصريين: استعادة الوعي الوطني وتأكيد الخصوصية الثقافية

بقلم د. ولاء بلال – أمين الثقافة والفنون بحزب الإصلاح والنهضة

تتجدَّد اليوم دلالات عبارة “مصر مقبرة الغزاة” التي طالما رددناها وتعلمناها ونحن صغار؛ فهذه المقابر ليست صخوراً صامتة، بل ذاكرةٌ جماعية تبتلع كل محاولة لطمس التاريخ. قد يبدّل الغزاة حدوداً لساعات، لكنهم يعجزون عن مسّ وجدان شعبٍ حَفَر حضارته في الصخر ونقشها على صفحة النيل.

على هذا المعنى نهض الملايين في 30 يونيو، يواجهون محاولة محو هويتهم كما ينهض الجندي الحارس على الحدود ليدافع عن أرضه. خرج الناس دفاعاً عن ثقافة عاشوا بها قروناً، ثقافة تمزج التسامح بالنكتة، والتفرد بالانفتاح، وتؤمن بأن قوة مصر الحقيقية في تعدُّدها.

واليوم نخوض معركة أخطر من جيوش تقليدية؛ إنها “حروب الجيل الرابع”، حيث الرصاصة إشاعة، والدبابة تغريدة، والميدان شاشات الهواتف، والهدف هو تفتيت الوعي الجمعي، فإذا فقدتَ ذاكرتك صار الدفاع مستحيلاً، ولذلك يصبح الكتاب في يد طفل، والأغنية في ليل القاهرة، درعاً موازياً لسلاح الجندي على الحدود.

في عام حُكم الجماعة الإرهابية، دُفعت البلاد إلى “مشروع الظلام”؛ محاولة لقصّ أجنحة الفن والعلم معاً، وتقديم هوية ممسوحة لا تشبه المصريين ولا تمتّ للدين بصلة، أرادوا مصر بلا مسارح ولا موسيقى ولا ابتسامة، لكن الشعب رفض أن يُقتلع من جذوره كما تُقتلع شجرة معمِّرة من ضفاف النيل، ولذلك كانت مصر وستظل مقبرة الغزاة.

انتصرت الثورة لأن المصريين حققوا “استعادة الوعي”؛ فهموا أن أمنهم القومي يبدأ من حماية ثقافتهم قبل حدودهم. كلما تعمقنا في إرثنا، صارت مصر صخرة تتكسّر عليها موجات التشويه. الحفاظ على الهوية ليست رفاهية ثقافية؛ إنه واجب وطني تذكّرنا به 30 يونيو كل عام