الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

نحو معادلة سياسية مصرية جديدة

د. وحيد عبد المجيد

ما أبعد المشهد في مصر اليوم عما كان عليه قبل أشهر قليلة عندما تابع المجتمع الدولي ثورة‏25‏ يناير بإعجاب شديد وانبهار عظيم‏.‏ الإعجاب تحول قلقا‏,‏ والانبهار بات إشفاقا‏.‏ كثير من أشقائنا العرب الذين بعثت الثورة المصرية. الأمل في قلوبهم يشفقون علي الشقيقة الكبري التي انتظروا عودة دورها لتصحيح اختلالات شتي في المنطقة. وغيرهم في العالم قلقون خوفا علي استقرار المنطقة وليس علينا بطبيعة الحال. فكيف تغير المشهد إلي هذا الحد؟ الإجابة ليست سهلة ولا يمكن اختزالها في عامل وحيد, كما لا يجوز تحميل المسئولية علي طرف واحد. فالعوامل عدة, والمسئولية مشتركة وموزعة علي الجميع بدرجات مختلفة. ومع ذلك لا يمكن إغفال أن الفراغ السياسي الذي حدث منذ الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في19 مارس الماضي خلق حالة مواتية لظهور صراعات وصنع معارك كان ممكننا تجنبها. فالمجتمع الخارج لتوه من مرحلة قهر وفساد يفرط عادة في التعبير عن الحرية التي توفرت له إلي أن تنضج الممارسة السياسية. ولكن هذه الممارسة لا تنضج إلا عبر مشاركة منظمة يفرغ الناس طاقاتهم فيها ويتعلمون منها ويتطورون معها. فإذا لم تتوافر لهم سبل هذه المشاركة, يمكن أن تذهب طاقاتهم في مسارات غير منظمة وأخري عشوائية وثالثة مدفوعة بأهداف قد لا تحقق المصلحة العامة ورابعة مصنوعة لأغراض خاصة. وهذه هي معادلة الفوضي السياسية حيث توجد طاقة زائدة وحرية واسعة عقب تسلط شديد:( فائض الحرية+ فائض الطاقة فائض التسلط)= خطر الفوضي. ولذلك كان خطأ كبيرا ترك المصريين الخارجين من حالة التسلط, والمشتاقين إلي المشاركة في صنع مستقبلهم, بمنأي عن هذه المشاركة لأكثر من أربعة أشهر. كان مشهدهم يوم الاستفتاء مبهجا بالرغم من أية سلبيات شابت الدعاية التي سبقته. كما كان هذا المشهد موحيا بأنهم مشتاقون إلي المشاركة. ولو أن هذه الرسالة وصلت إلي من يديرون المرحلة الانتقالية لاختلف المشهد الراهن. كان ممكنا أن نشغل الفترة بين الاستفتاء والانتخابات البرلمانية, والتي لا تقل عن ثمانية أشهر, بعدد من العمليات الانتخابية التي تضع أساسا صلبا للنظام الديمقراطي وتمتص الطاقات الزائدة التي جري تفريغها في توترات طائفية وصراعات بين قوي الثورة ومعارك صغيرة وتصفية حسابات واتهامات متبادلة. كان ممكنا إجراء ثلاث عمليات انتخابية مهمة قبل الانتخابات البرلمانية: الأولي هي الانتخابات المحلية التي تعتبر بمثابة المدرسة الأولي للممارسة الديمقراطية لأنها تتعلق بمجالس شديدة الارتباط بمصالح الناس وحياتهم اليومية. كما أن وجود عدد هائل من المقاعد يقترب من خمسين ألفا يتيح تمثيلا لجميع الأحزاب والقوي السياسية الاجتماعية وحركات الشباب وائتلافاتهم من كل نوع وصنف. ومن شأن انتخابات بهذا الحجم أن تعلم الناس الدروس الأولي في الممارسة السياسية الحرة والمشاركة الديمقراطية. أما العملية الانتخابية الثانية التي كان ضروريا إجراؤها فهي الانتخابات النقابية العمالية والمهنية, وربما الفلاحية أيضا. فالمجتمع المدني المصري يفتقد مؤسساته الحرة وممثليه المنتخبين الذين سنحتاج إليهم عند إعداد مشروع الدستور إذا أردنا أن يكون جزءا من الجمعية العمومية التي ستضعه من غير أعضاء البرلمان الذي سينتخبها. فهناك حاجة ماسة إلي وضع حد للصراع الذي صار هزليا بين الاتحاد العام للعمال التابع للنظام السابق والذي يؤكد وجوده حتي الآن,وكأننا لم نخرج من أسر هذا النظام كليا بعد, والنقابات المستقلة التي تشق طريقها بصعوبة بالغة بالرغم من دعم وزير العمل لها. ولا سبيل إلي ذلك إلا التعجيل بإصدار قانون الحريات النقابية وإجراء انتخابات عمالية حرة يختار عبرها قطاع رئيسي من المجتمع المصري ممثلين معبرين عنه للمرة الأولي في تاريخه. ولو أن هذا حدث في أبريل أو مايو الماضي مثلا لساهم في بناء الأساس الديمقراطي الذي كان ممكنا أن يعصمنا من التدهور الذي لحق بنا. وقل مثل ذلك عن النقابات المهنية التي كان ممكنا إصدار مرسوم لإجراء انتخابات فيها كلها بعد الغاء القانون100, خصوصا وأن بعضها مجمد إما كليا أو انتخابيا منذ سنوات طويلة. وهناك أيضا الانتخابات الجامعية التي يطالب بها عدد كبير من أعضاء هيئات التدريس لاختيار عمداء كلياتهم ورؤساء ومجالس جامعاتهم. غير أن الذهنية المحافظة التي هيمنت علي إدارة المرحلة الانتقالية لم تفطن إلي أهمية هذه العمليات الانتخابية القاعدية( أي التي تحدث في قاعدة المجتمع) لبناء النظام الديمقراطي وايجاد حالة جديدة تجعل الناس معنيين بالمستقبل. وهذا يفسر لماذا ازداد الانشغال بالماضي في الأشهر الماضية بدلا من أن يقل, وخصوصا في ظل بطء محاكمات رموز النظام السابق والغموض الذي يحيط قضايا المتهمين بقتل شهداء الثورة. ولذلك صار ضروريا ملء الفراغ السياسي بشكل عاجل عبر فتح الباب للترشيح لانتخابات محلية تجري بعيد شهر رمضان بالتزامن مع الإعداد للانتخابات البرلمانية, وذلك بدلا من تعيين مجالس مؤقتة. فلا مشكلة في إجراء انتخابات محلية ثم برلمانية خلال شهرين ونصف الشهر( النصف الأول من سبتمبر والنصف الثاني من نوفمبر), وانتخابات نقابية عمالية ومهنية وأخري جامعية في الفترة نفسها, بل المشكلة في الفراغ الذي لا سبيل آخر إلي وضع حد له. وعندئذ يمكن تغيير المعادلة التي تنتج خطر الفوضي( حرية+ طاقة+ فراغ), والتأسيس لمعادلة سياسية جديدة عبر استبدال المشاركة بالفراغ ليشرع المصريون في بناء دولتهم الجديدة.

المصدر: الأهرام