الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

إشكالية الواقع المصري .. قراءة تحليلية في حوار هيكل مع مجلة سفير

بقلم: مؤمن راشد
المتحدث الإعلامي لحزب الإصلاح والنهضة

حقيقة لا يجادل فيها أحد ممن يتابع الواقع المصري منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م وما تبعها من أحداث، وقد ازداد الواقع تعقيدًا بعد 30 يونيو ثم 3 يوليو، وما تلاه من أحداث كقتل الضباط ومذبحة الجنود في سيناء، مرورًا بقانون التظاهر والوضع الاقتصادي المتردي، ما وضع الأمن القومي المصري في خطر شديد.

وفي هذه الأثناء تبرز العديد من السيناريوهات التي تحاول تحليل المشهد أملًا في الخروج من المأزق السياسي، من أهمها حديث الكاتب والمفكر محمد حسنين هيكل عن الواقع المصري في جريدة السفير اللبنانية أبان زيارته الأخيرة للبنان، التي طرح فيها العديد من النقاط الرئيسية والجديرة بالتحليل والمناقشة لعلها تساعد في فهم الواقع بتعقيداته المتتالية، خاصة في ظل الاستحقاق الحالي وهو الاستفتاء على الدستور.

الفاعلين في الواقع المصري:
التقسيم الذي يطرحه هيكل للمجتمع المصري الآن والقوى الفاعلة فيه هو تقسيم واقعي إلى حد كبير؛ حيث يقسم الفاعلين في الواقع المصري إلى ثلاثة فاعلين رئيسيين:

  1. الشباب الثائر على كل ما هو قديم وكبير: والذي تم تعطيله عمدًا عبر سنين من الإهمال والفساد، ومن ثم فهو متعطش للتغيير الكلي والصدام مع أصحاب الشعر الأبيض على حد تعبيره، وهذا الفاعل يمثل قوة التغيير التي لا يستهان بها، والتي غيرت وما زالت قادرة على التغيير، ولكنها من وجهة نظره جموحة وطموحة أكثر من اللازم، ومن ثم فهي تحتاج إلى معرفة ما تريده تحديدًا ووسائل تحقيقه والوصول إليه.
  2. الجيش مدعومًا بالقوة المدنية والقاعدة الشعبية: التي خرجت في 30 يونيو، وهنا هيكل يفرق بين الجيش والقوى المدنية، فهو يرى أن القوى المدنية في مصر ممثلة في الأحزاب الليبرالية المدنية ليس لها فاعلية واقعية، ولا تصلح كبديل حقيقي للإخوان؛ لأنها ومنذ فترة طويلة لا تعبر عن المصالح الاجتماعية الحقيقية للجماهير، ومع ذلك فهيكل يرى أن الجيش لا يتدخل في السلطة، ولكنه يطالب بحقه باعتباره كان حاميًا للشباب في ثورة يناير على حد تعبيره، وتدخل مرة أخرى في ثورة 30 يونيو لحماية البلاد نزولًا على رغبة الجماهير التي خرجت تطلب منه التدخل.
  3. القوى والأحزاب الإسلامية: التي يرى هيكل أنها في حالة إنكار لواقعها، وأنها لا يمكن إقصاؤها من الصورة السياسية في مصر، ولكنها تحتاج إلى معرفة واقعها وإمكانياتها، حتى لا تكرر نفس الخطأ مرة أخرى، وهو الإسراع إلى السلطة دون استعداد لها، وأخذ استحقاقات لا تناسب إمكاناتها وقدراتها.

والخلاف بين الثلاث قوى السابقة أفرز حالة من الصراع والانقسام المجتمعي تعوق كتابة أي دستور دائم في البلاد؛ لأن طبيعة الدساتير تكتب في أجواء من التوافق وليس الانقسام والاستقطاب.

يقول هيكل: (صناعة الدستور غير مرتبطة بمزاج اللحظة، بل هي تعبير عن كل قوى الأمة، الدستور الذي تتم كتابته الآن ليس دستورًا دائمًا، فالدستور الدائم يحصل في لحظة توافقية، ونحن في لحظة خلافية، ولكن وضعت خطة طريق للانتقال مما كنا فيه إلى ما نتصور أن نكون فيه في مرحلة معينة، ووضعت في مناخ في منتهى الصعوبة، ولكن هذا هو الطريق).

ومن ثم، فإن هيكل يرى الدستور الحالي في ظل الرؤية الكلية للواقع المصري هو دستور مؤقت، تمت صياغته في ظل أجواء انقسام شديدة، لا تصلح لكتابة الدساتير قد يتم تغييره بعد استقرار الأوضاع وتماسك المؤسسات، بحيث لا تأخذ قضية الدستور أكبر من حجمها الطبيعي في النقاش؛ لأن الأهم في المرحلة القادمة هو الوصول إلى حالة من التوافق السياسي بين القوى المختلفة، ولو ببعض التسويات والتنازلات من الأطراف المختلفة.

والخلاصة أن هيكل يؤكد على:
أحقية الأطراف الثلاثة (الجيش، الشباب الثوري، القوى الإسلامية) في التواجد داخل الواقع السياسي المصري، واحترام كل طرف لقوته وقوة باقي الأطراف، والبعد عن محاولات الاستحواذ والسيطرة من قبل أي طرف على العملية السياسية في مصر؛ لأن هذا لن يحدث في المدى القريب أو البعيد
عدم صلاحية الدستور الحالي للاستمرار في الواقع المنقسم، ولكنه الطريق الوحيد الآن نحو واقع مستقر، يتم فيه صياغة دستور يعبر حقيقة عن كل القوى السياسية والمجتمعية الموجودة في المجتمع.

وفي النهاية يبقى السؤال مفتوحًا: هل مازال جميع الأطراف على الساحة السياسية يظنون أن بإمكان طرف واحد إقصاء الباقيين والتفرد في الساحة السياسية؟ متى سنجد بوادر للمصالحة الوطنية التي أصبحت حتمية ليس فقط لاستقرار الواقع السياسي، ولكن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل الوضع الاقتصادي المتهاوي؟