القطاع الخاص وسكك حديد مصر خصخصة التسعينات أم بداية التطوير
بقلم د. مصطفى كريم - عضو المكتب السياسي
دفع الحادث الشهير الذي نجم عن تصادم قطاران بالأسكندرية في الحادي عشر من أغسطس الماضي، وزارة النقل للتسريع بإجراء تعديلات قانون السكك الحديدية، والذي سمح بدخول القطاع الخاص إلى قطاع السكك الحديدية المصرية من خلال إدارات التشغيل والصيانة والجرارات والمعدات بموجب حق الانتفاع.
وجاء ذلك في أعقاب تصريح أدلى به د. عمرو شعث مساعد وزير النقل، والذي كشف فيه عن تعديل مادتين من القانون بما يسمح بالشراكة مع القطاع الخاص، حيث كانت المادة القديمة في قانون عام 1980 تنص على أن “الهيئة تختص دون غيرها بإنشاء وتشغيل شبكات السكك الحديدية على المستوى القومي، وتطوير هذه الشبكات خاصة بأعمال السكة الحديد والصيانة”، حيث تم حذف عبارة “دون غيرها” لتشمل الأشخاص الاعتباريين والشركات الأخرى.
كما تم تعديل المادة الرابعة لتنص على جواز منح التزامات المرافق العامة للمستثمرين أشخاصًا طبيعيين أو اعتباريين لإنشاء خطوط وشبكات السكك الحديدة وتشغيلها دون التقييد بأحكام القانون رقم 129 لسنة 1947 بالتزامات المرافق العامة.
خصخصة أم شراكة؟
وقد نفت وزارة النقل فكرة خصخصة السكك الحديدية مؤكدة أن “الخصخصة معناها إعطاء الهيئة كاملة للقطاع الخاص”، بينما أشارت الوزارة إلى أن ذلك يعد شراكة مع القطاع الخاص في إدارة المرافق لفترة معينة، ثم تؤول ملكية السكك الحديدية إلى الدولة من جديد.
وبينما رحب النائب سعيد طعيمة رئيس لجنة النقل بمجلس النواب، بموافقة مجلس الوزراء على تلك الخطوة معتبرًا إياها فكرة جيدة للغاية تساهم في تطوير قطاع السكك الحديدية المصرية، هاجم النائب هيثم الحريري، عضو تكتل 25/30، تلك الخطوة واصفة إياها بامتداد لتجارب الخصخصة التي استمرت لعدة سنوات وشابها الكثير من الفساد، مؤكدًا أن بداية التطوير لقطاع السكك الحديدية يحتاج لإرادة حقيقية للإصلاح وليس بإشراك القطاع الخاص.
تجارب نجحت في خصخصة السكك الحديدية:
وتعد التجربة البريطانية في خصخصة السكك الحديدية الأقدم على مستوى العالم، والتي بدأت في حكومة مارجرت تاتشر عام 1989، انتهاء بانتقال كامل لكافة خطوط التشغيل والصيانة والورش إلى شركات خاصة عام 1993، ليشهد هذا القطاع ازدهارًا كبيرًا في معدل التشغيل وكذلك ارتفاعًا ملحوظًا في أجور العاملين به.
وليست التجربة البريطانية وحدها هي التي نجحت، ولكن سبقتها في ذلك اليابان، حيث انتقلت ملكية قطاع السكك الحديدية اليابانية بالكامل عام 1978 من الحكومة إلى أكثر من 200 شركة خاصة وشبه خاصة، شهد بعدها هذا القطاع ازدهارًا كبيرًا بعدما كانت خسائره قد تجاوزت تريليون ين ياباني حسب أرقام البنك الدولي.
وفي العالم العربي، تبرز التجربة الأردنية في خصخصة السكك الحديدية كتجربة ناجحة أيضًا، منذ بدأت الحكومة الأردنية بمنح حقوق انتفاع للشركات الخاصة لمدة 25 عامًا منذ عام 2008، مما حدى بهذا القطاع إلى النمو ليمثل 10% من إجمالي الناتج المحلي في العام 2015-2016.
ويرى العديد من الخبراء أن التجربتين الماليزية والإلمانية هما الأنجح على الأطلاق في ذلك المجال، حيث أن التجربة الألمانية لم تقتصر على بيع حقوق الانتفاع للقطاع الخاص، ولكنها امتدت لتشمل صناعة السكك الحديدية نفسها؛ مما أنعش هذا القطاع ورفع مساهمته في الناتج المحلي، بينما اشترطت الحكومة الماليزية على القطاع الخاص عدم الاستغناء عن العمالة، في مقابل بيع السكك الحديدية بسعر زهيد.
حقوق الانتفاع هي الحل ولكن:
ونرى نحن في حزب الإصلاح والنهضة ومن خلال استقراء التجارب المختلفة التي عمدت إلى تطوير السكك الحديدية حول العالم أن الحل هو إعطاء حقوق انتفاع للشركات الخاصة في هذا القطاع الحيوي، ونعني بحقوق الانتفاع أن تكون مرهونة بمدى زمني محدد، تؤول بعده السكك الحديدية إلى ملكية الدولة، ولا نعني أبدًا انتقال كامل لملكية السكك الحديدية إلى القطاع الخاص، باعتبار السكك الحديدية مرفقًا حيويًا يؤثر على الأمن القومي المصري.
ولكن نرى أن يتم ذلك بشروط:
- التدرج: من خلال منح حقوق الانتفاع تحت إشراف الدولة وتقليل مساحة ونطاق الإشراف بالتدريج.
- حماية حقوق العاملين: كما ذكرنا سابقًا في التجربة الماليزية التي حافظت على العاملين من التعرض للطرد بعد خصخصة السكك الحديدية.
- توسيع نطاق الانتفاع: بمعنى ألا يتم قصر حق الانتفاع على عدد محدود من الشركات الخاصة؛ بما يقطع الطريق على تلك الشركات في احتكار الخدمة والتحكم في الأسعار.
وتبقى دائمًا تلك الخطوات على المحك ما لم تضطلع الحكومة بدورها في اختيار الشركات الخاصة بعناية وضرورة الإشراف عليها للتأكد من مساهمة تلك الخطوة في تطوير السكك الحديدية المصرية، التي هي من أقدم خطوط السكك الحديدية في العالم؛ لتصبح سكك حديد لائقة بتاريخ ومكانة مصر وداعمة لمصر، وليست عبئًا عليها.