التوازن المفقود بين “الفني” والسياسي و”التنفيذي”. وزير تعليم “تكنوقراطي” “جعلوه سياسياً” و”ثار” عليه البرلمان!
بقلم دكتور عمرو نبيل، نائب رئيس حزب الإصلاح والنهضة
شهد مجلس النواب، وعلى مدار 240 دقيقة، مباراة سياسية غاية في القوة والأهمية نظراً لخطورة وشعبية ملف “التعليم” وطبيعة وخلفية السيد وزير التعليم، تطرقت الجلسة البرلمانية لإشكاليات منظومة التعليم الجديدة من منهج الصف الرابع الابتدائي والخلو من الآيات والأحاديث النبوية، وأن التربية الدينية ليست أساسية، والتابلت، والمصروفات، وثقة المواطن في المنظومة الجديدة، وغياب المعلم عن المشهد، والعجز في المعلمين، وتدني الرواتب، وكثافة الفصول، والبنية التحتية المتهالكة، والوجبات المدرسية، والتغيب بسبب فيروس كورونا.
السيد وزير التعليم يتمتع بخبرات دولية عالية لا جدال في ذلك، وقد تولى وزارة التعليم في مهمة صعبة وعاجلة من أجل إصلاح جذري لمنظومة تعليمية تعد الأسوأ على مستوى دول العالم كله، لكنه شخصية “تكنوقراطية” وهو ما اعترف به خلال الجلسة بقوله: “لم أكن أعمل بالسياسة قبل تولى وزارة التربية والتعليم”، إلا أن توليه منصب سياسي “جعله سياسياً”، وبالتالي لا يقبل منه قوله أثناء مشادة برلمانية “مش عايز ادخل في اللعبة دي”، ولن تمنع “التكنوقراطية” النواب من “الثورة” عليه، وإطلاق ما وصفه أحد المانشتات بالـ “الرصاصات” صوبه، خاصة وأن سخط أولياء يجعل مهاجمة الوزير كلما كانت أعلى حدة كلما تم حصد شعبية جماهيرية وإعلامية أكبر.
ولا يعني ذلك أننا نطالب بـ “تدجين” البرلمانيين بل الـ “الثورية” مطلوب خاصة في قضايا “الفساد”، كما لا يعني ذلك أننا ننكر وجود إشكاليات تواجه منظومة التعليم الجديدة، بالعكس فمعظم النواب محقين في الكثير من الإشكاليات المطروحة، ولكن وعلى الرغم من كون إطلاق “الرصاص” برلمانياً من طبيعة الممارسة السياسية إلا أنه في المرحلة السياسية والتنموية الحالية من عمر الوطن ومع التعاطي مع ملف في خطورة التعليم تتطلب هذه الممارسة أخذ عدة أمور في الاعتبار:
على المستوى السياسي: ينبغي الحذر من أن تعرقل مثل هذه الممارسة جهود إصلاح التجريف السياسي الذي تعرضت له التربة الوطنية المصرية على مدار عقود، حيث أننا نشهد حالياً نفور الكفاءات من العمل السياسي وتولي المناصب العامة، فعلى الرغم من قدرة هذه الكفاءات على الإصلاح والحاجة الوطنية الملحة لهم إلا أنهم يخشون من هذه “الرصاصات” السياسية والإعلامية خاصة في ظل ضعف الموارد اللازمة للإصلاح وما يتطلبه من مدى زمني، وفي ظل الإشكاليات الإدارية الحكومية والقوى المقاومة للإصلاح، وفي المقابل على السيد الوزير أن يعي أن للحكومة شركاء في مواجهة التحديات الإصلاحية من برلمان وأولياء أمور ومعلمين لابد من إشراكهم والتعاون معهم والاستجابة لهم للوصول لمنظومة تعلمية تناسب الحالة المصرية، بدلاً من الانفراد بقرارات تفاجئ هؤلاء الشركاء.
وعلى المستوى الإصلاحي: يجب ألا تعرقل هذه الممارسات الجهود الإصلاحية التي تحتاج للنقد البناء وتقديم البدائل وسد الثغرات، فكما قال الوزير للنواب: “أتمنى أن نعتبر أنفسنا شركاء وأننا في جبهة واحدة وليس جبهتين فكلنا مصريين ولدينا أبناء بالتعليم.. سأتكلم معكم بلغة مباشرة واضحة ونرجو أن نسمع بعض واللي هنقدر نحله هنقولكم عليه واللي مش هنقدر هنقولكم محتاجين مساعدة.. عندنا موارد بنشتغل بها (تقررها وزارتي المالية والتخطيط) وقوانين تحكمنا.. عندنا عجز لأن زاد علينا 5 ملايين تلميذ.. ولا يوجد تعينيات في الجهاز الإداري ونفسي استثني المعلم”.
وعلى المستوى الوطني: تحتاج هذه الممارسات السياسية إلى الوعي بأنه لا يمكننا الوقوف في منتصف الطريق والتراجع عن الإصلاحات أياً ما كانت الإشكاليات التي تواجه المنظومة الجديدة ، فملف التعليم من أهم وأخطر الملفات فلا تنمية بدون إصلاح التعليم ولا إنتاجية إلا بإصلاح التعليم ولا خلق وظائف ومكافحة للفقر إلا بإصلاح التعليم ولا تحسين للصحة ألا بإصلاح التعليم… إلخ. .
ولكن لخطورة المرحلة التنموية والسياسية، ولأهمية الملف الوطنية فإن معالجته تتطلب معارضة راشدة من جهة واستجابة وتقبل ومرونة وزارية من الجهة الأخرى، لتفعيل ممارسة احترافية تبدأ داخل لجان مجلسي الشيوخ والنواب بحضور الخبراء والفنيين والمنفذين، خاصة وأن مصر لديها قامات بذلت جهوداً في ملف التعليم سواء ضمن استراتيجية 2030 أو جهود فردية، كما أن هناك طرح يطالب بمفوضية للتعليم وغيرها من التصورات التي يمكنها بالنقد البناء سد الثغرات ودعم الإصلاحات.
لا جدال في أن هذه الجلسة كانت من أقوى جلسات البرلمان لتناولها قضية وطنية تنموية هامة وتمس الأسر المصرية ومستقبل مصر، ألا أن أبرز الدروس المستفادة من هذه الجلسة البرلمانية هي أنها كشفت عن افتقادنا للتوازن المطلوب بين الجانب السياسي والجانب الفني التكنوقراطي والجانب التنفيذي الإداري، وهو توازن مطلوب وهام لنجاح السياسات الإصلاحية سواء على مستوى صياغتها أو تنفيذها أو كسبها لثقة المواطنين.
بقلم دكتور عمرو نبيل
نائب رئيس حزب الإصلاح والنهضة