سد النهضة الإثيوبي والمكاسب المصرية الهشة
بقلم/ علي عبد المطلب نصر - رئيس اللجنة السياسية
بات سد النهضة الإثيوبي واحدًا من أهم وأخطر القضايا التي تواجهها مصر في الوقت الراهن وذلك لما له من تداعيات على الأمن المائي المصري، فمصر هي هبة النيل منذ قديم الأزل، ويمثل نهر النيل شريان الحياة للدولة المصرية، لذلك فأي محاولة للمساس بحصة مصر من مياه النيل تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، لذلك يجب أن يكون هذا الملف حاضرًا بصورة دائمة على أجندة الدولة المصرية.
وقد نجحت إثيوبيا في استغلال قيام ثورة 25 يناير في مصر وحالة السيولة الأمنية والسياسية التي صاحبتها وإنشغال مصر بأوضاعها الداخلية في وضع حجر أساس سد النهضة، بعد أن كان حلمًا قبل ذلك نظرًا لرفض الدولة المصرية لفكرة مشروع السد قبل ثورة يناير، فاستثمرت إثيوبيا قيام الثورة في مصر – إضافة لبعد مصر عن عمقها الإفريقي في السنوات الأخيرة- لتحول حلم السد إلى حقيقة على أرض الواقع.
كما اتبعت إثيوبيا سياسة طويلة الأمد تقوم على المناورة وكسب الوقت لتحويل مشروع السد إلى أمر واقع، ولذلك نجد أنه بعد مرور ما يزيد عن ست سنوات منذ وضع حجر أساس السد في أبريل 2011 أنه حتى الآن لم تنتهي الدراسات الفنية المتعلقة بالسد ولم تتضح الرؤية في النقاط الخلافية بين مصر وإثيوبيا في هذا الشأن، ولازالت إثوبيا تواصل بناء السد دون انتظار لنتائج الدراسات الفنية حتى شارف السد على الإنتهاء.
وهكذا نجحت إثيوبيا في تحويل سد النهضة إلى أمر واقع، وأن التفاوض حاليًا ليس على فكرة إنشاء السد من عدمه وإنما يدور حول الاشتراطات والضمانات التي تكفل عدم إضرار السد بحصة مصر من المياه، وهذا مكسب حقيقي وضخم للجانب الإثيوبي.
أما عن الموقف المصري في التعامل مع هذا الملف الحيوي، فقد كانت الدولة المصرية منشغلة بأوضاعها الداخلية أثناء الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير مباشرة، كما اتسم الموقف المصري في التعامل مع سد النهضة أثناء حكم جماعة الإخوان المسلمين بالتهاون الشديد والتهوين من أزمة السد ومن أضراره على الأمن المائي المصري مما أشعر الرأي العام المصري أن السلطة الإخوانية غير قادرة على التعامل الفعال مع أزمة سد النهضة، وأن الأمن المائي المصري أصبح على المحك.
وجاء التحرك المصري الفاعل على ملف سد النهضة بعد ثورة 30 يونيو 2013 لتدارك أخطاء الفترة السابقة والذي نتج عنه صدور “إعلان مالابو” على هامش القمة الإفريقية في غينيا الإستواية في يونيو 2014، وكان هذا الإعلان على هيئة بيان مشترك بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالين، ونص الإعلان على عدد من المبادئ الهامة التي أكدت على احترام مبادئ الحوار والتعاون كأساس لتحقيق المكاسب المشتركة، وكذلك احترام مبادئ القانون الدولي، إلى جانب التزام الحكومة الإثيوبية بتجنب أي ضرر محتمل من سد النهضة على استخدامات مصر من المياه، وفي المقابل التزام الحكومة المصرية بالحوار البناء مع إثيوبيا والذي يأخذ احتياجاتها التنموية وتطلعات شعبها في الحسبان.
وعلى الرغم من أن إعلان مالابو قد حرك المياة الراكدة وأعطى قوة للجانب المصري في التفاوض إلا أن مصر حتى هذه اللحظة لم تحصل على مكاسب حقيقية كالتي حصل عليها الجانب الإثيوبي بتحويل السد إلى واقع، حيث تبالغ إثوبيا في السعة التخزينية لسد النهضة بما يزيد عن حاجة أثيوبيا ويضر بكفاءة توليد الكهرباء من السد، كما لم تعطي إثوبيا تعهدًا صريحًا بعدم الإضرار بحصة مصر من مياه النيل والتي تقدر ب55.5 مليار متر مكعب سنويًا بالإضافة إلى عدم تعهدها كذلك بالالتزام بنتائج الدراسات الفنية المتعلقة بالسد، وهكذا فإن الموقف المصري حتى الآن يدور في الدائرة نفسها بينما تواصل إثيوبيا بناء السد بخطى حثيثة.
وإذا كان المفاوض المصري لم يحصل حتى هذه اللحظة على مكسب حقيقي يضاهي المكسب الإثيوبي ويضمن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، فإنه يجب على المفاوض المصري في جولات التفاوض التالية أن يحصل على اعتراف والتزام صريح من الجانب الإثيوبي -في مقابل اعتراف مصر بسد النهضة- بحصة مصر التاريخية من مياه النيل والتي تقدر ب55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، وأن سد النهضة لن ينقص من هذه الحصة شيئًا، كما تتعهد إثيوبيا بعدم استخدام السد في أي أغراض غير تنموية أو اقتصادية، وأن تكون نتائج الدراسات الفنية المتعلقة بالسد ملزمة لجميع الأطراف.
وأخيرًا فيجب أن ندرك أن قضية المياه هي مسألة حياة أو موت ولا مجال فيها للمجاملات، فينبغي أن يحذر المفاوض المصري من كثرة التطرق إلى شعارات الإخاء والتأكيد على قوة العلاقة بين مصر وإثيوبيا دون الوصول إلى مكاسب حقيقية وضمانات واضحة، فهذه الشعارات لا تعني شيئًا في مفاوضات تمس حياة المصريين.