التماسك الإجتماعى وأثره فى التنمية الإقتصادية
بقلم تامر القاضي عضو اللجنة الاقتصادية
المجتمع المتماسك هو مجتمع يعمل جميع أفراده للوصول لهدف واحد وهو الحياة الكريمة لكل فرد دون تهميش أو إقصاء أو تمييز . والوصول بالمجتمع للحياة الكريمة يعنى العمل والإنتاج بصورة مستدامة والإستغلال الأمثل للموارد للوصول لمعدلات نمو تمكن هذا المجتمع من تحقيق التنمية الإقتصادية المنشودة .
فى تقرير التنافسية العالمي لهذا العام وهو تقرير سنوي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي وفيه يتم تقييم قدرة الدول على تحقيق مستويات مرتفعة من الرخاء لمواطنيها إحتلت مصر المرتبة 119 ضمن 144 دولة متأخرة بمركز عن تقرير العام السابق والذى جاءت فيه فى المرتبة 118 .
وليس الغرض هو جلد الذات والبكاء على اللبن المسكوب ولكن الغرض هو إلقاء الضوء على قضية هامة والتى تمس الحالة المصرية المعاصرة وتمثل ركنا أصيلا فى خروج مصر من وضعها الإقتصادى الحالى ألا وهى العلاقة بين التماسك الإجتماعى والتنمية الإقتصادية.
إستعرض التقرير العلاقة بين مايعرف بالإستدامة الإجتماعية ( Social Sustainability ) والتنافسية . وعرف الإستدامة الإجتماعية على أنها مجموعة المؤسسات والسياسات والعوامل التى تمكن أفراد المجتمع من التمتع بالقدر المتاح من الصحة والمشاركة والأمان والذى يعظم من إمكانية إسهامهم فى تحقيق الرخاء الإقتصادى لوطنهم والإستفادة منه .
وذكر التقرير أن المحددات الرئيسية للإستدامة الإجتماعية والتى تحفز الإنتاجية وتزيد قدرة الدولة التنافسية وتدفع نحو الرخاء طويل الأجل يأتى على رأسها :تحقيق التماسك الإجتماعى عن طريق شمول المجتمع لأفراده وتمكينهم من المشاركة فى تحقيق الرخاء الإقتصادى لمجتمعهم والإستفادة منه فى ذات الوقت . فإذا إفتقد المجتمع هذا الشمول فإنه بالضرورة سيفتقد التماسك اللازم لتحقيق الغايات المشتركة .
والأمثلة التى تدل على الإفتقار لهذه الشمولية والتى لها أثر سلبى على تنافسية الدول : هو الحرمان من ضروريات الحياة و التمييز على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدين أو الإنتماء وتهميش الشباب والفوارق الكبيرة فى الدخل .
فالحرمان من خدمات الصرف ومياه الشرب والكهرباء والرعاية الصحية يضعف الإنتاجية بشكل دراماتيكى . والشباب عندما يتم تهميشه وتسفيه دوره فى تحقيق التنمية وإضعاف فرصه فى سوق العمل فلا يجد أمامه إلا الوظائف غير المستقرة ذات الأمد القصير والتى تخلو من إمكانيات التدريب والتطوير المستمر يفقد المجتمع شريحة كبير وأساسية من رأسماله البشرى .و إهمال دور المرأة فى التنمية هو إهدار لمايمتلكه المجتمع من مواهب متاحة وفرصه فى إستغلال موارده البشرية وفرصه فى الحد من الفقر وزيادة الإنتاجية.
أما الفوارق الكبيرة وغير العادلة فى الدخول فإتها تؤثر على العملية السياسية برمتها وتؤدى إلى توترات إجتماعية ضارة وبالتالى قد تضطر الحكومات إلى إتخاذ إجراءات إصلاحية يمكن أن تزيد من التشوهات السوقية الموجودة بالفعل فتلجأ إلى التدخل فى التسعير ودعم السلع والتحكم فى سعر الصرف .
وبناءا على ذلك يتعين على الحكومات إعادة النظر في السياسات الاجتماعية والاقتصادية والتى تضمن لجميع المواطنين أن يكون لهم صوت ، من خلال تعزيز المشاركة المدنية وتقوية المؤسسات الديمقراطية وخلق مجال من الحرية لمؤسسات المجتمع المدنى .
ويتعين على الحكومات إعادة النظر فى السياسات المتعلقة بالشباب وكيفية دمجهم فى الحياة السياسية والإقتصادية ، وضمان تكافؤ الفرص بينهم فى الحصول على التعليم والتدريب الذى يؤهلهم لتولى الوظائف والمناصب التى توفر لهم الحياة الكريمة والإحساس بدورهم الهام فى تحقيق التقدم الإقتصادى لوطنهم .
يتعين على الحكومات أيضا أن تدعم سياسات التوزيع العادل للثروة والمكافأة على اساس المهارات والإنتاجية والمشاركة الإيجابية حيث أنه ثبت أن الدول التى يرتبط بها الأجر بالإنتاج تكون أكثر إنتاجية وبالتالى أكثر تنافسية .
وأهم دور هو أن تدعم الحكومات دور المرأة فى التنيمة الإقتصادية وتعزيز فرصها فى التعليم والتدريب والمنافسة العادلة فى الوظائف والمناصب .
وفى إيجاز فإن الخروج من الوضع الإقتصادى الحالى والقدرة على التنافسية مرتيط بالإنتاجية وأهم مدخلات العملية الإنتاجية هى الرأسمال البشرى وبالتالى فإذا إفتقد المجتمع التماسك بين أفراده ولم يجمعهم هدف مشترك وقوبل ذلك بعدم إهتمام من القائمين عليه فإن ذلك يدفع العجلة للخلف ويبدد أمل الجيل الحالى والأجيال القادمة.