قضايا في تمكين المرأة
بقلم: مؤمن راشد
المتحدث الإعلامي لحزب الإصلاح والنهضة
منذ انطلاق الثورة الصناعية في أوروبا نشأت جمعيات حقوق المرأة حول قضية “المساواة”، أي مساواة الرجل بالمرأة، وبعيدًا عن الملابسات الزمنية حينها والمغزى من وراء إثارة تلك القضية، وتحويل البعض القضية من “المساواة” إلى “تحرير المرأة”، فإن وضع المرأة الأوروبية في القرون الوسطى كان مأساويًّا بكل المقاييس، وكانت بالفعل في حاجة إلى حقوق ورعاية وإعادة تأهيل، وما بين المساواة والتمكين تطورت وأصبح له مدارس وتشعبات عدة، ولكن ما يعنينا هنا هو قضية “تمكين المرأة”.
فإذا كان تمكين الشباب يعني حصوله على القوة والتوعية المطلوبة، أي أن محوره يقوم على “الإعداد القيادي وفتح فرص ممارسة أدوار واقعية حقيقية”، فإن تمكين 55لمرأة يعني زيادة على ما تقدم ألا يتم تمييز المرأة عن الرجل في الإعداد والتدريب، بزعم أن المرأة قادرة على أداء مهام محدودة فقط دون الرجل.
وبالطبع انتقلت قضايا المرأة مع غيرها من القضايا الحضارية إلى البلدان العربية فترات الاحتلال منها مصر، ولكن اللافت إلى النظر أن التحركات المصرية اقتصرت بشكل أساسي على أمرين: المنتديات والمؤتمرات الثقافية التي تقوم بها نخبة من “سيدات المجتمع”، تقتصر على المناقشات الفكرية والتحليل النقدي وبعض التوصيات التي لا تراعي الواقع المصري، إلى جانب مشروعات المجتمع المدني لتمكين المرأة اقتصاديًّا مثل مشروعات المرأة المعيلة والأسر المنتجة، وهي لا تكون جزء من خطة استراتيجية لتمكين المرأة ولذا لا تجد لها أثرًا في الثقافة العامة للمجتمع.
إذن فمشكلتنا في مصر لا تنحصر في سن التشريعات أو تفعيل مجموعة من البرامج لدعم تمكين المرأة، فإن تمكين المرأة يعاني العديد من المعوقات تشترك فيها دول العالم الأول والثاني والثالث، إنما تمتد لتشمل في الأساس مدى إمكانية المرأة للقيام بالمسئوليات الإدارية والقيادية.
وعلى صعيد الفضاء السياسي يمكن القول أن التيارات السياسية في مصر قد انقسمت بالنسبة لقضية تمكين المرأة إلى نوعين:
الأول: من تمنعه أفكاره وأيدلوجيته بداية عن تناول فكرة تمكين المرأة، وهذا يشمل تيارات من الإسلام السياسي التي أُجبرت تحت ضغط الواقع والقانون على إدراج المرأة في القوائم الانتخابية فلم تجد لها إلا ذيل القائمة، وبعضهم لم يتقبل حتى وضع صورتها في الدعاية الانتخابية.
الثاني: من يتناول الموضوع إعلاميًّا فقط، ولا يتجسد هذا في المواقف العملية وهذا يشمل جزء آخر من تيارات الإسلام السياسي الأكثر براجماتية عن سابقها، بجانب التيارات المدنية والتي لا تجد في هيكلها الإداري إلا ما يعد على الأصابع، والأهم أنك لا تشعر بأن هناك برامج حقيقية لتمكين المرأة.
وأحيانًا لا أفهم كيف تعتبر تيارات الإسلام السياسي أن فكرة تمكين المرأة تتعارض بالأساس مع الدين، بالرغم من أن إمام العدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قد عين “الشفاء” – وهي امرأة – على السوق تقضي بين الناس في مشاكلهم وتقوم بمهمة الرقابة على التجار وقال: القضاء ما تقضي به الشفاء، بمعنى أنها كانت بمثابة وزيرة للتموين وقائمة بجزء من وزارة العدل في آن واحد.
ونحن في حزب الإصلاح والنهضة نرى أن كل المجالات والمناصب مفتوحة أمام المرأة للمشاركة والمسئولية ما إن توافرت فيها الكفاءة المطلوبة والقدرة على تحمل أعباء القيادة، هذا لن يتأتي إلا بالتدريب والإعداد القيادي، وهذا ما نعمل عليه ونضع له برامجه، مثلها مثل تمكين الشباب تمامًا.
وأتذكر حينما تم حل مجلس الشعب وأقبلت البلاد على انتخابات جديدة في مطلع عام 2013 كانت اللجنة الانتخابية حينها في الحزب قد انتوت على أن يكون ثلث مرشحي القوائم من السيدات، وأتذكر حينها كيف أن الأستاذة مي صقر أمينة المرأة الحالية بمحافظة الإسكندرية ستدرج ثاني أو ثالث القائمة بالمحافظة، بجانب أكثر من مرشحة على المقاعد الفردي.
ولذا فأنا على يقين أن وضع المرأة في مصر سيتغير أيًّا كانت أسبابه إذا شهد المجتمع تجربة ناجحة لتمكين المرأة، وإذا كانت في المجال السياسي بالذات فما غيرها أهون منها، وهذا ما نقدمه الآن وسنسعى لتعميمه في أقرب انتخابات نخوضها.