“الإخوان المسلمين” والفرص الضائعة
الأحداث والوقائع لا تساوي شيئًا إلا إذا توقفنا أثناءها وبعدها لنسأل أنفسنا: ماذا حدث تحديدًا؟ وكيف حدث؟ وهل كان هناك فرصة ليكون الواقع أفضل؟ هل كان ثمة مخرج من المأزق؟ هل كان هناك باب يحتاج من يطرق عليه؟
ولو تجاوزنا ما حدث في مصر من صعود سريع للإخوان المسلمين إلى السلطة وسدة الحكم بأغلبية برلمانية وسلطة تنفيذية بشقيها الرئاسة والحكومة، ثم السقوط من خلال ملايين في شوارع مصر في 30 يونيو وما تلاها من الأحداث والمواقف، لو تجاوزنا كل ذلك وانشغلنا بصراعات يومية بين أطراف النزاع في مصر، فنحن لا نتعلم من الدروس، وسيقع فيها الجميع؛ لأنهم ببساطة لم يفهموا ماذا حدث ولماذا حدث؟ وهذا ما نحاول في السطور القادمة بيانه والوقوف عليه.
فنحن سنقف على أربعة مراحل هامة مرت بها جماعة الإخوان المسلمين وهي:
أولًا ـ مرحلة ما قبل 30 يونيو.
ثانيًا ـ مرحلة الفترة ما بين 30 يونيو و3 يوليو.
ثالثًا ـ مرحلة ما بعد 3 يوليو حتى فض رابعة.
رابعًا ـ مرحلة ما بعد فض رابعة.
وسنتاول في كل مرحلة الفرص السانحة التي لاحت لجماعة الإخوان وكان في استغلالها إمكانية كبيرة لاستمرار تجربة الإخوان في مصر بشكل يقبل شعبيًا واجتماعيًا وسياسيًا، في الداخل والخارج.
أولًا ـ مرحلة ما قبل 30 يونيو:
————————–
وهي المرحلة التي كان فيها الإخوان المسلمين في سدة الحكم وتضم تلك المرحلة عديد من الفرص الضائعة، ومن أهمها ما يلي:
1. إقالة حكومة هشام قنديل:
————————–
وهي حكومة أثبتت حتى بكتابات من المؤيدين للدكتور مرسي والإخوان المسلمين أنها حكومة فاشلة بكل المقاييس ولم تجيد التعامل مع كثير من الملفات وأن الوزارء المتميزين فيها كانوا استثناء قليل يعد على الأصابع أشهرهم هو وزير التموين باسم عودة وأن ثمة توافق حقيقي على أهمية التخلص من عبء تلك الحكومة بصرف النظر عن آراء البعض في الدكتور هشام قنديل وأمانته وأخلاقه الدمثة ولكن القرارات السياسية على مستوى الأوطان لا تؤخذ فقط بأمانة الإنسان أو أخلاقه ولكنها تؤخذ أيضًا بكفاءته الإدارية والواقعية والتي أثبت أداء الحكومة أنها ليست أفضل من سابقاتها.
ولو تم الاستجابة لمطلب التعديل الوزاري، وعمل وزارة تكنوقراط من الكفاءات الوطنية المختلفة أو حكومة وحدة وطنية لكافة الأطراف في مصر لخفف ذلك من حدة الصراع الدائر حينها في مصر.
2. دستور 2012:
——————–
وهو الدستور الذي أعلنا في حزب الإصلاح والنهضة أنه يصلح لكونه دستورًا مؤقتًا واعترضنا بصورة واضحة على طريقة تشكيل اللجنة ونسب تمثيل التيارات المختلفة فيها، وهذا ما عبر عنه رئيس الحزب في تصريح له بتاريخ 31 ديسمبر 2011 بأن الأغلبية المطلقة لتيار الإسلام السياسي في البرلمان بنسبة 70% والذي يتزعمه حزب الحرية والعدالة تمثل خطرًا حيث قال الأستاذ هشام عبد العزيز: “إن هذه النسبة تمثل مشكلة حقيقية عند اختيار الجمعية التأسيسية, المخولة بوضع الدستور”، ولفت إلى ضرورة تشكيل الجمعية التأسيسية بصورة توافقية, وأن تراعى تمثيل كافة القوى السياسية، وهذا ما لم يحدث وتشكلت الجمعية التأسيسية بصورة غير متكافئة كرست للاستقطاب الحادث في المجتمع ولانشقاق الصفوف السياسية.
3. رفض دعوات الاستفتاء والانتخابات المبكرة:
————————–
ولاحت أمام الإخوان فرصة أخرى تتمثل في دعوة الدكتور مرسي للمواطنين بالاستفتاء على بقائه من عدمه أو بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهذا ما رفضه الدكتور مرسي، وكان ذلك كفيلًا ببيان عملي وواقعي على شعبية الدكتور مرسي وجماعة الإخوان في الشارع المصري، سواء بالسلب والإيجاب، وكان سيعد بمثابة سابقة ديمقراطية لم تحدث من قبل في مصر، وهو أن يعرض رئيس منتخب نفسه للاستفتاء على الشعب، ولكن ذلك لم يحدث.
وعلى المقابل لم يكتفِ الدكتور مرسي برفضه لهذه الأطروحة التي كانت كفيلة للخروج من الأزمة الحادثة، بل أنه قام باعتماد حركة محافظين في 17 من يونيو، حيث عين فيها العديد من المحافظين الجدد المحسوبين على الإخوان المسلمين، مما اعتبره الكثير من المحللين استفتزازًا للشارع المحتقن بالأساس والناقم على الإخوان في ظل وجود أزمات متعددة من أهمها: الانقطاع الطويل للكهرباء وطوابير البنزين التي طالت جميع أنواع المحروقات من البنزين بكافة فئاته والسولار وغيرها.
ثانيًا ـ الفترة ما بين 30 يونيو و3 يوليو:
————————–
وهي الفترة ما بين خروج الملايين في ميادين مصر تنديدًا بحكم الدكتور مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وما بين بيان القوات المسلحة بعزل الدكتور مرسي عن منصبه وتعيين المستشار عدلي منصور رئيسًا مؤقتًا للبلاد، وشهدت عدة فرص ضائعة لحفاظ الإخوان المسلمين على كيانهم وحكمهم لمصر ومن أهمها:
1. إنكار خروج الملايين إلى الشوارع والميادين:
————————–
وحالة الإنكار هي أحد الحيل الدفاعية التي تحدث عنها علماء الطب النفسي، وهي الحالة التي دخلت فيها جماعة الإخوان المسلمين التي كان يحتشد أنصارها في ميداني رابعة والنهضة منذ 21 من يونيو دعمًا للدكتور مرسي ضد دعوات تمرد وغيرها من الحركات والائتلافات والأحزاب والشخصيات العامة والإعلامية إلى النزول لميادين مصر في 30 يونيو.
وتتلخص تلك الحالة في إنكار شديد من قيادات وأعضاء الإخوان المسلمين لنزول الملايين في الشوارع والميادين، بل وخرجت مانشيت جريدة الحرية والعدالة بأن مئات يتظاهرون في الميادين المصرية ضد مرسي، وهون كثير من قادة الإخوان من أمر الملايين التي خرجت في كافة المحافظات المصرية.
2. رفض مهلة الـ 48 ساعة التي أعلنها الفريق السيسي:
————————–
ثم ظهرت فرصة جديدة لاستدراك كل ما فات وهي مهلة الـ 48 ساعة التي أعطاها الفريق السيسي لكافة القوى السياسية للوصول إلى حل، وهي التي فسرتها جماعة الإخوان على أنها رسالة طمأنة لها ولأنصارها ورسالة تهديد مبطنة لقوى المعارضة وقتها، وبالمثل فسرتها المعارضة بأنها رسالة طمأنة وتأييد لقوى المعارضة وتهديد للسلطة القائمة.
بينما كان على الدكتور مرسي أن يخرج للشعب المصري بتحركات جادة وإصلاحات تهدأ من الغضب الشعبي وتحاول لم الشمل، وهذا ما انتظره الكثيرون من الدكتور مرسي وهو أن يبدو رئيسًا لكل المصريين، وكان خطابه الشهير في الـ 2 يوليو 2013 أو ما عرف بخطاب “الشرعية” وهو الذي لم يقدم فيه الدكتور مرسي أي تنازلات تذكر أو دعوة للمصالحة أو الوفاق الوطني بل أكد فيه على أن الشرعية تساوي حياته، وهو ما فسرته المعارضة بأنه دعوة من الدكتور مرسي لأنصاره للموت في سبيل الشرعية وتداولته وسائل الإعلام والمحللين بأنه دعوة صريحة للحرب الأهلية.
ومن ثم خرج بيان الـ 3 من يوليو والذي قرأه الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع بحضور الفريق صدقي صبحي رئيس أركان الجيش المصري وقادة الأفرع الرئيسية والبابا تواضروس بابا الكنيسة الأرثوذوكسية والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والدكتور محمد البرادعي وممثلين عن حركة تمرد وحزب النور السلفي، وهو الذي أعلن فيه عزل الدكتور مرسي عن منصبه.
ثالثًا ـ مرحلة ما بعد 3 يوليو حتى فض رابعة:
————————–
وكان هناك محاولات عدة لفض الميدان بصورة جزئية والدخول في تفاوض مع جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك كان أمام الإخوان أنفسهم تقديم ذلك كدليل على البدء في عملية سياسية لاستعادة بعض من خسائرهم ولكن حدث العكس، حيث أصر الإخوان على التصعيد والاحتشاد في ميداني رابعة والنهضة.
ولم يكن الاحتشاد في حد ذاته هو الخطأ، ولكن الخطأ الأكبر كان في الاستمرار في حالة الإنكار والوعيد والتهديد من منصة رابعة بالسحق وغيره لمعارضي الدكتور مرسي، والسماح لتيارات وشخصيات انتهجت العنف أو لا ترفضه بشكل قاطع أن تصعد على المنصة لتوجه اتهامات وتهديدات لقطاعات عريضة من الشعب المصري.
وفي نفس الوقت، كان لابد من استثمار تلك الاحتشادات والدخول في تفاوض على فض الاعتصام مقابل العودة للعبة السياسية بدلًا من الصراع الصفري الذي قررت جماعة الإخوان خوضه، وتضمنت تلك المحاولات للتسوية زيارات كاثرين أشتون للفريق السيسي والدكتور البرادعي من جهة وللإخوان المسلمين وللدكتور مرسي من جهة أخرى وباءت بالفشل خاصة بعد خطاب ناري من المرشد السابق الدكتور محمد بديع والذي أكد فيه بقاء الإخوان في الميادين، حتى بعد رسائل عديدة من القوات المسلحة والشرطة بأنها ستعتزم فض ميداني رابعة والنهضة إلا أن جماعة الإخوان أصرت على بقاء أنصارها هناك، حتى تم الفض في 14 من أغسطس، وراح ضحيته المئات من أنصار الإخوان المسلمين، وهو الأمر الذي أدان فيه الحزب بشدة الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين في ميداني رابعة والنهضة.
رابعًا ـ ما بعد فض رابعة:
————————–
وهي المرحلة التي تلت فض اعتصامي رابعة والنهضة حتى ساعة كتابة هذه السطور، وهي المرحلة التي باءت فيها كل محاولات الوساطة والمصالحة بين الحكومة وبين الإخوان المسلمين بالفشل الذريع، وهي المحاولات التي قام بها العديد من الشخصيات العامة والمستقلة من توجهات عدة مثل الدكتور أحمد كمال أبو المجد، وكذلك الدكتور سليم العوا، وباءت كلها بالفشل نتيجة إصرار الإخوان المسلمين على بند عودة الدكتور مرسي رئيسًا، وهو أمر مستحيل الحدوث، وحتى لو افترضنا جدلًا إمكانية تحققه، فسيبقى السؤال: كيف سيعود إلى الحكم مرة أخرى ويدير دولة نزل في شوارعها ملايين المواطنين ضده؟!
ويبقى السؤال: هل يعي الإخوان المسلمين الدرس؟! أم سيستمرون في الصراع الصفري الذي لا طائل منه؟! هل سيتأملون في الموافقة على التعديلات الدستورية والتي تمثل خيار الشعب المصري وتأكيدًا على ملايين نزلت بالفعل في 30 يونيو وأخرى نزلت إلى صناديق الاقتراع في 14، 15 يناير 2014؟!