الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

آثار جائحة كورونا على الأمن القومي المصري

أمانة السياسات العامة - حزب الإصلاح والنهضة

كانت ولا تزال جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، التي بدأت أواخر عام 2019، تحتل مكانًا مركزيًا في الأجندة العالمية.
كانت البداية في الحادي و الثلاثون من ديسمبر/كانون الأول 2019، عندما أخطرت السلطات الصحية الصينية منظمة الصحة العالمية للمرة الأولى عن (41) مريضًا بالتهاب رئوي “غامض” كلهم له علاقة بمنطقة سوق السمك بمدينة ووهان بمقاطعة هوباي بالصين.

ثم فى السابع من يناير 2020 السلطات الصينية تعلن التعرف على فيروس جديد تمامًا من عائلة معروفة من الفيروسات تسمى عائلة الفيروسات التاجية (الكورونا)
ثم في الحادي عشر من يناير 2020 تعلن الصين موت أول مريض بالكورونا
ثم في الثلاثون من يناير 2020. تعلن منظمة الصحة العالمية الكورونا وباء (EPIDEMIC)
ثم في الحادي عشر من فبراير 2020. تعلن منظمة الصحة العالمية عن تسمية الفيروس الجديد (COVID-19)

ثم توالت الأحداث بنسق متسارع و انتشرت الجائحة في جميع الدول تقريبًا، لتعلن منظمة الصحة العالمية فى الحادي عشر من مارس/آذار 2020 COVID-19 وباءً عالميًا (PANDEMIC)
وقد أعلنت مصر عن أول حالة إصابة بالفيروس لمواطن مصري عائد من الخارج في الخامس من مارس 2020
ويمكن فهم مصطلح (COVID-19) في سياق تفكيك مكوناته كما طرحتها منظمة الصحة العالمية على النحو التالى :
• CO اختصار لكلمة كورونا (Corona)
• VI اختصار لكلمة فيروس (Virus)
• D اختصار لكلمة مرض (Disease)
• 19 إشارة إلى الحد الزمني لمولد المرض، الذي شرع في ضرب العالم في نهاية عام 2019 .
و هو أحد الأمراض الوبائية المعدية التي يسببيا فيروس كورونا المستجد.

وخلفت الجائحة إلى يومنا هذا تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية كان لها تأثيرات متباينة على دول العالم و لاسيما مصر

الجائحة و الأمن القومي المصري

تعود جذور مصطلح الأمن القومي إلى القرن السابع عشر، وبخاصة بعد معاهدة وستفاليا عام 1648 التي أسست لولادة الدولة القومية أو الدولة – الأمة Nation – State .
ثم مر مفهوم الأمن القومي بمرحلتين مهمتين نتيجة التطورات العالمية:-

في المرحلة الأولي كان ينظر إليه بالنظرة الاستراتيجية الضيقة وهي صد هجوم عسكري معادٍ وحماية الحدود من الغزو الخارجي والمحافظة على الاستقلال الوطني، وفي المرحلة الثانية صار مفهوم الأمن القومي ظاهرة مركبة متعددة الأبعاد و المستويات
يمكن تعريفه بأنه القدرة على توفير أكبر قدر من الحماية و الاستقرار لتحقيق التنمية الشاملة للدولة فى كافة المجالات (السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و العسكرية و المعلوماتية و الفكرية) لتحقيق الأهداف القومية للدولة
وهو مفهوم ديناميكي يختلف باختلاف الأهداف القومية للدولة من وقت لآخر
وقد كان لجائحة كورونا تداعيات اقتصادية و اجتماعية و سياسية على الدولة المصرية
و سيكون لها آثارًا على الفكر و الثقافة -قد نتعرض لها فيما بعد- كما أثبتت التجربة التاريخية أن الجوائح تركت بصمتها في الفكر والفلسفة والدين و الثقافة والشعر والرسم.
فعصر النهضة الذي شكل ثورة فكرية وفنية هو رد فعل مباشر على العصور الظلامية التي نجمت عن الحروب والجوائح كما يذكر المؤرخون .
و قد بدأت إرهاصات لتغيرات ثقافية ظهرت بوادرها على صفحات التواصل الاجتماعي على شكل أفكار، فيديوهات وكتابات سيكون لها تداعياتها على الثقافة العامة للمجتمع .

تركت جائحة كورونا آثارًا و ربما ستؤثر في المستقبل على أبعاد متفرقة من الأمن القومي المصري و تختلف هذه الآثار طبقًا لاستراتيجيات الدولة المصرية في إدارة هذه الجائحة و آثارها الواقعة و المتوقعة

 

استراتيجية الدولة المصرية في التعامل مع الجائحة

 

كورونا من الأمراض السارية (Communicable Disease) و يعبر عنها بالأمراض المعدية Infectious Diseases
و هى الأمراض التى تنتقل من شخص لآخر من خلال طرق متنوعة يمكن أن تشمل: ملامسة الدم وسوائل الجسم، التنفس و الرزاز، أو عن طريق لدغات أو عضات حشرات (كــ الكوليرا، الطاعون، فيروس ايبوال و الايدزو انفلونزا الطيور ).
وينظم التعامل مع هذه الأمراض في مصر، القانون رقم 137 لسنة 1958 في شأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية، وقد تم إدراج (الإصابة بفيروس كورونا المستجد) ضمن الأمراض المعدية بالقانون المذكور بقرار وزير الصحة رقم 145 لسنة 2020

بشكل واسع اختلفت طرق تعاطي الدول مع جائحة كورونا طبقا للظروف السياسية و الاقتصاديه و الاجتماعية لكل دولة وإلا فلا يوجد ما يسمى بالطريقة المثلى لتعامل الدول مع الجائحة (There is no “one-size-fits-all” scenario)
غير أن هناك ثلاث استراتيجيات رئيسية كبرى :
1.uncontrolled epidemic (الوباء المطلق)
و تعنى هذه الاستراتيجية عدم فعل أى شئ تجاه هذه الجائحة و ترك المجتمع في مواجهة مناعية بدون أي تدخل و هذه الاستراتيجية تكاليفها باهظة الثمن من أرواح المواطنين و غير مناسبة لمصر التنموية

2.Suppression (التثبيط و الاخماد)
و تعني هذه الاستراتيجية تقليل معدل انتشار المرض (R0) لأقل من 1 وفي هذه الحاله ينحسر الوباء سريعًا ويختفي من المجتمع
وهى لا شك استراتيجية غير واقعية للدولة المصرية لما تتطلبه من إمكانات تكنولوجية و موارد اقتصادية ضخمة تستنزف موارد الدولة للسيطرة على المرض و الترصد الوبائي للحفاظ على المجتمع خالي من المرض حتى ظهور لقاح
و فى حالة حدوث تراخى في إجراءات التثبيط يكون المجتمع عرضه لإنتكاسه توازي الموجة الأولى من الوباء

3.Mitigation (التخفيف)
و تعنى هذه الاستراتيجية التخفيف من آثر الجائحة عن طريق السماح بالانتشار التدريجي للفيروس فى المجتمع لهدفين:

I. بناء مناعة مجتمعية (Herd immunity) عن طريق ما يسمى بالعدوى التي لا تسبب أعراضًا ظاهرية (subclinical infection) و لا تستدعي دخول المستشفي “للغالبية” العظمى من المجتمع ومع الوقت يتحول الفيروس إلى التهاب مسالك تنفسية موسمي مثل الانفلونزا الموسمية

Ii. تخفيف الضغط على القطاع الصحي عن طريق عدد محدود من الإصابات فى اليوم تُمَكّن الفريق الطبي و القطاع الصحي من تقديم رعاية صحية أولية و حرجة تقلل من معدلات الوفيات
و يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية عن طريق تطبيق ما يسمى
بالتدخلات اللادوائية (Non Pharmacological Interventions) التي تسهم فى تحجيم الوباء و ترويضه حسب طاقة القطاع الصحي و تحمله وهي

عزل المريض في المنزل لمدة سبع أيام (Case Isolation )
الحجر الصحي التطوعي: لمدة 14 يوم (Voluntary Home Quarantine)
العزل المجتمعي لمن فوق السبعين عامًا (Social Distancing Over 70 )
العزل المجتمعي على المستوي العام (General Social Distancing)
إغلاق المدارس والجامعات PC

ولا شك أن الدولة المصرية قد اعتمدت هذه الاستراتيجية في التعامل مع جائحة كورونا و نجحت في تطبيقها في جميع موجات الوباء مع بدأ التحصين باللقاح في الموجه الثالثة و تحملت الدولة المصرية الآثار الجانبية السلبية الناتجه عن تبنى هذه الاستراتيجية سواء كانت آثارًا اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية

 

آثار جائحة كورونا على الدولة المصرية

 

كغيرها من الدول، حاولت الدولة المصرية مواجهة الآثار السلبية لهذه الجائحة الناجمة عن أعداد الإصابات و سياسات الغلق المجتمعي و الإنغلاق العالمي خاصة فى فترة الموجة الأولى
و مع أن مصر من الدول الأكثر مرونة في التعامل مع أزمة فيروس كورونا حيث جاءت في الترتيب ال 25 عالميًا و الأول إفريقيًا والثالث بين دول الشرق الأوسط و شمال أفريقيا من بين 53 دولة من بين الدول الأكثر كفاءة في التعامل مع جائحة كورونا بأقل اضطرابات في الأعمال أو الحياة الاجتماعية مسجله 63.3 نقطة و تعد مصر و الصين و تايوان و فيتنام و بنجلاديش هم الدول الوحيدة التي كان متوقعًا لها تحقق نمو عام 2020
حسب التقرير المنشور عن بلومبرج في نوفمبر 2020 أفضل و أسوء الأماكن للوجود في عصر فيروس كورونا
و بالفعل نجح الاقتصاد المصري في الصمود محققًا نمو بلغ 3.6 بالمائة ليكون ثاني أكبر معدل نمو اقتصادي على مستوى الاقتصادات الناشئة في 2020 حسب تقديرات صندوق النقد الدولى
إلا أنه و مع محاولات الدولة حل المشكلات و التخفيف من آثار الجائحة و سياسات الحماية المجتمعية، رُصدت آثار متنوعة على أبعاد الأمن القومي المختلفة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية

 

أمانة السياسات العامة

حزب الاصلاح و النهضة