أخطاء الإخوان العشر
إن المتأمل في الواقع المصري والصراع الدائر الآن، يجد بما لا يدع مجالًا للشك أن حجم الأخطاء التي حدثت خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من العد والحصر، كون المسار الذي وصلت إليه ثورة 25 يناير، وحتى خارطة الطريق التي تتحرك فيها ثورة 30 يونيو، تجلي لنا حجم الأخطاء التي حدثت والتي لابد من الوقوف عليها.
فقد بقى الإخوان كأحد أهم طرفي النزاع في مصر على سدة الحكم سنة كاملة يضاف إليها ما يقارب نصف العام كأغلبية بالبرلمان المنتخب بغرفتيه، وكان الإخوان في هذه المرحلة هم من يحكمون مصر سواء من خلال رئيس مدني هو د. محمد مرسي، وكذلك من خلال أغلبية مجلس الشعب قبل حله.
وهنا يبرز سؤال هام: كيف وصلت جماعة الإخوان المسلمين من سدة الحكم إلى أن تتهم بأنها “تنظيمًا إرهابيًا”؟! ما هي أبرز أخطاء تنظيم الإخوان كأكبر فصيل منظم في مصر؟! وما تأثير تلك الأخطاء على المسار الحالي للثورة.
يمكن تقسيم الأخطاء التي وقع فيها الإخوان المسلمين إلى ثلاث أقسام رئيسية وهي:
- أخطاء في المنهج الفكري للإخوان.
- أخطاء في الأداء السياسي للإخوان.
- أخطاء في قراءة الإخوان للمشهد السياسي داخليًا وخارجيًا.
أولًا ـ أخطاء في المنهج الفكري للإخوان المسلمين:
هناك قاعدة هامة تقول: السلوك مرآة الفكر، فبحسب الفكر الذي ينتهجه أي منا يكون سلوكه، ومن ثم ونحن نناقش حالة الإخوان المسلمين بين الحكم والاتهام بالإرهاب، لابد أن نغوص أعمق في فكر الجماعة نفسه.
وفي ذلك تطالعنا ملامح ثلاث، تمثل كل منهما خطأ فادحًا في فكر الإخوان المسلمين، وهذه الملامح أو الأخطاء الفكرية الثلاثة هي:
1. الانعزال في القفص التنظيمي:
وهي حالة العزلة التي تجعل من أعضاء الجماعة يفكرون بمنطق واحد، وبطريقة وأسلوب واحد، وبمنهجية واحدة، وينظرون للأمور من بعد واحد، وهو ما يعرفه علماء “ديناميكية المجموعات” أو “Group Dynamics” بأنه التفكير الجمعي أو “GroupThinking”، وهو أخطر ما يصيب أي تنظيم لأنه يصل به إلى حالة من التكلس والتقوقع حول الذات، وما يصاحبه من إحساس بصواب الموقف والقرار والتوجه على الدوام.
ويترتب عليه أيضًا تعامل عنيف مع محاولات النقد أو الرغبة في طرح مقاربات جديدة أو مختلفة عن المقاربات المستخدمة أو محاولة الخروج من القوالب الجاهزة والأفكار المعلبة إلى فضاء واسع من الأفكار المتجددة والأطروحات الجديدة المبتكرة.
وتزداد خطورة هذا الانعزال ومن ثم هذا النمط في التفكير حينما يواجه المجموع أو الجماعة حدثًا استثنائيًا ليس على نسق سابق، فثورة 25 يناير ليست حدثًا متكررًا، وما استتبعها من انتخابات رئاسة هي قطعًا ليست كانتخابات النقابات، والجلوس على كرسي الرئاسة يعني التعامل مع توازنات جديدة إقليميًا وعالميًا وهي بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين ـ وبالمثل لأي من كان سيجلس على سدة الحكم ـ حدثًا غير مسبوق.
ولكن لو كان لدى الإخوان المسلمين مرونة وانفتاح حقيقي على الآخر، لاختلف الوضع كثيرًا، ولاستفادت الجماعة من كفاءات عديدة ليست ضمن تنظيم الإخوان ولكنها لا ترفضه كلية، وفي نفس الوقت لا تقبله بالجملة، ولها عليه ملاحظات، وطبيعة التنظيميات المنفتحة أنها تقبل التعاون والتشارك مع أشخاص أو تنظيمات أخرى حتى لو اختلفت معها، وتقبل أيضًا أن تنتقد من قبل تلك الأشخاص أو التنظيميات.
هذا لم يحدث في حالة الإخوان، وبدأت أدلة ذلك سريعًا، خاصة في فصل أو انشقاق الدكتور أبو الفتوح وكذلك الدكتور حبيب، وأنت هنا لا تتحدث عن انشقاق نقيب أسرة أو مسئول شعبة أو حتى عضو مكتب إداري للجماعة، وإنما عن انشقاق نائبين للمرشد العام للجماعة، وذلك لإن التنظيم ومكتب الإرشاد ضاق ذرعًا بآراء تربت وعاشت لعقود داخل الجماعة ولكنها لم تعد توافق النسق العام، فلم يستطع استيعابها، فكيف يستطيع استيعاب وزراء أو مستشارين للرئيس من غير الجماعة أصلًا؟! وهذا ما حدث في موجة الاستقالات الجماعية للعديد من مستشاري الدكتور مرسي بعد توليه منصب الرئاسة.
2. حتمية الصراع ونظرية القاعدة الصلبة:
وهذا جانب آخر وخطأ كبير وجوهري في فكر الجماعة، فأصل نظرية الإخوان خاصة بعد أحداث الخمسينات والستينات تركزت على كتابات الأستاذ سيد قطب فيما يتعلق بنظرية القاعدة الصلبة، وهي التي أصلت لفكرة تكوين قاعدة صلبة من أهل الحق والإيمان، يتكون على أثرها وبمرور الزمن والتربية والإعداد فسطاط الإيمان والحق الذي لا باطل ولا نفاق فيه، وتكون مهمته الوقوف في وجه الباطل الذي سيتجمع كله بما في ذلك غير المسلمين والعلمانيين ومن وافقهم في فسطاط باطل لا لا حق ولا إيمان فيه.
وحينها يصبح الصراع حتميًا، ولا خيار لأحد ممن يناصرون الحق إلا الانضواء تحت راية فسطاط الحق لمواجهة فسطاط الباطل، وحينها يتمايز المجتمع، وينتصر فسطاط الحق، ولكن بعد أثمان باهظة من الدم، هي دماء شهداء ذكية من فسطاط الحق، ودماء بغي وظلم ونفاق من فسطاط الباطل، وهو ثمن لابد من دفعه لنصرة الحق وإقامة دولة الإسلام على حد وصفهم.
ومن هنا فإن زيادة حالة الاستقطاب في المجتمع ورفع وتيرة الانقسام، لم يكن يمثل لجماعة الإخوان خطرًا أو مشكلة حقيقية، باعتبار أن ذلك نتيجة طبيعة، يأتي بعدها التمكين الكامل، ومن ثم تطبيق مشروعهم على أرضية مهيئة لاستقبالها، ولكن أغفلوا أنه سينبني على أرضية من الدماء والأشلاء والثارات التي لا تنتهي، وكأن الظن بأن من قتل مما يدعونه “فسطاط الباطل” سيسلم ويكسر سيفه ويبكي على خطيئته، وهذا من باب المستحيلات، فهو إما أن يذعن في الظاهر وينخر في جسد المجتمع والدولة من الباطن، فينشأ طابور خامس، أو أنه يعلن الحرب أخذًا بالثأر في سلسلة من القتل والقتل المتبادل قد تستمر لعقود من الزمان لا يعلم مداها إلا الله، وتلك الأنواع من الحروب قد تعرف تاريخ ابتدائها ولكنك حتمًا ـ باستقراء التاريخ والأحداث ـ لا تستطيع التنبؤ بتاريخ انتهائها.
3. تزايد المناطق الرمادية وتميع بعض المواقف التي تحتاج إلى حسم:
وهنا لابد من التأكيد على أن المواقف المنهجية الأساسية التي تكون ركائز الأيدلوجية الخاصة بكل كيان، لابد أن تكون واضحة ومدونة، ويرى أثرها في الواقع في جميع المستويات القيادية وفي مختلف المواقف والأحداث، وهذا أيضًا من أكبر أخطاء الإخوان فيما يتعلق بالجانب المنهجي لفكر الجماعة.
فمثلًا، لا تستطيع أن تأتي بكتاب أو مؤلف مدون فيه موقفًا صريحًا واضحًا لدى جماعة الإخوان المسلمين من العنف، ترى أحاديث هنا أو هناك وقد يتضارب بعضها، فيما يشكل منطقة رمادية اللون، لا تستطيع معها التسليم بنبذ العنف، ولا حتى بتبني استخدامه.
نفس القضية تنسحب على موقفهم من الأقباط أو غير المسلمين في مصر، فهم وإن كانوا يهنئونهم في أعيادهم، ولكن مع احتدام الصراع، طفت إلى السطح مسائل عقدية لطالما أخذ على الإخوان تفريطهم فيهم، فدائمًا ما انتقدت الدعوة السلفية تمييع الإخوان لعقيدة “الولاء والبراء”، وهو ما انعكست فيه الصورة في احتفاليات عيد الميلاد المجيد لعام 2014، حيث هنأ حزب النور على لسان الأستاذ نادر بكار مسيحيو مصر بعيدهم، بينما انبرت أصوات من الإخوان المسلمين تنتقد المهنئين بدعوى تمييع “الولاء والبراء”، فأين كان الولاء والبراء في حضور قيادات حزب الحرية والعدالة لنفس العيد في العام الماضي من الكاتدرائية المرقسية؟!
ويمكنك أن تتبع ذلك في قضايا أخرى كالموقف من المرأة وغيرها، وهي قضايا بقت معلقة لعقود طويلة دون حسم؛ مما يفتح الطريق على جدل واسع، وعلامات استفهام عديدة: هل هي قضايا غير محسومة فعلًا لدى فكر الإخوان، فتركت معلقة سهوًا؟ أم أن الإخوان تركوها عمدًا لاحتمالية نقضها تحت أي مسمى أو بسبب أي تغيير في المواقف السياسية؟!
ثانيًا ـ أخطاء في الأداء السياسي للإخوان:
ومن ثم انعكست تلك الأخطاء الثلاث المنهجية في فكر الإخوان “الانعزال في القفص التنظيمي، والقاعدة الصلبة، والقضايا غير المحسومة” على الأداء السياسي للإخوان خلال السنوات الثلاث الماضية، وظهر ذلك في مواقف أربعة هامة:
1. تضييع حلم التوافق الذي بني عليه التحالف الديمقراطي:
وهو التحالف الذي تأسس بعد ثورة يناير بخمسة أشهر تقريبًا، تحديدًا في يونيو 2011، بدعوى من حزبي الحرية والعدالة والوفد، وترأس أمانته الدكتور وحيد عبد المجيد وهو شخصية مستقلة ليست محسوبة على أي من التيارات الفاعلة في الحياة السياسية المصرية، وبدأ التحالف بـ 11 حزبًا وسرعان ما جاوز الـ 40 حزبًا، وكان يهدف إلى تكوين تحالف قوي لحماية الثورة من “فلول النظام السابق” من الحزب الديمقراطي وحلفاؤه.
ولكن سرعان ما دبت خلافات قوية بين الوفد والحرية والعدالة وكذلك بين الحرية والعدالة وعدة أحزاب أخرى، بسبب الاختلاف على عدد المقاعد لكل حزب في قوائم التحالف وعلى مقاعده الفردية في انتخابات مجلس الشعب الذي تم حله لاحقًا.
وهنا يبرز السؤال الأهم: لماذا لم ينظر الإخوان أبعد من عدة مقاعد تأتي وتذهب بسهولة؟ ولماذا لم يحتضن الإخوان ويستوعب الأحزاب بدلًا من أن يدخل معها في تنافس أضعف التحالف لحساب فلول الحزب الوطني؟! وهو أمر مرده إلى تغليب المكسب التكتيكي للإخوان على المكسب الاستراتيجي، فلو سمحت للأحزاب بتمثيل أعلى، بل وساعدتها في ذلك، لمكنها من بناء توافق وطني حقيقي يمكنه الوقوف أمام دولة مبارك العميقة، ولجعلها تقود الثورة، بدلًا من أن تتهم من أطراف عدة بركوب الثورة.
2. السعي الحثيث لأغلبية مجلس الشعب 2011:
وهي من أخطر الأخطاء التي وقع فيها الإخوان المسلمين، بل تيار الإسلام السياسي في مصر، حيث جعل التيار في مواجهة آثار الفساد الذي نخر في جسد مصر لعقود، ومعروف أن المسئول الذي يتولى الحكم يصبح بعد أيام من توليه جزء من الحالة التي تعيشها البلاد، ثم بعد أسابيع أو شهور قليلة يصبح هو المتسبب فيها باعتبار مسئوليته الحالية، ولا يشفع له أن تولى البلاد على حالة صعبة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، داخليا وخارجيا.
وهذا ما صرح به الأستاذ هشام مصطفى عبد العزيز رئيس حزب “الإصلاح والنهضة” بتاريخ 31-12-2011 بأن سيطرة الإسلاميين على نسبة 70% من البرلمان قد تشكل عائقا أمام توافق القوى السياسية بشأن الدستور القادم “يعني دستور 2012”.
ولفت في حديث لموقع حزب “الإصلاح والنهضة” إلى أن هذه النسبة تمثل مشكلة حقيقية عند اختيار الجمعية التأسيسية, المخولة بوضع الدستور , لأنه سيطعن عليها بأنها إسلامية صرفة، ولفت إلى ضرورة تشكيل الجمعية التأسيسية بصورة توافقية,وأن تراعى تمثيل كافة القوى السياسية.
وهذا ما ظهر جليًا بعد الدورة الأولى من الانتخابات والتي حاز فيها حزب الحرية والعدالة وكذلك النور على نصيب الأسد، ولكن استمر كلا الحزبين خاصة الحرية والعدالة في معركته للحصول على أغلبية برلمان سيحمل أوزار السابقين، ثم يحل بعد ذلك وفق ما قضت المحكمة الدستورية العليا.
فلماذا تسعى للأغلبية في وقت ليس مناسبًا لطرح مشروعك، بل هو انتحار سياسي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لأنك ببساطة ستتحمل كل أخطاء وفساد عقود مضت باعتبارك أنت في الصورة، خاصة أن وقتها كان مجلس الشعب هو المؤسسة الوحيدة المنتخبة في ظل حكم المجلس العسكري غير المنتخب من الشعب والذي تولى إدارة شئون البلاد منذ 11-2-2011.
3. الترشح للرئاسة:
وهو الخطأ الذي انبنى بشكل كبير على سوء تفسير الإخوان للأغلبية البرلمانية، والتي اعتبروها استفتاء عليهم وليست فقط انتخابات برلمانية استطاعوا الفوز بها.
ومشكلة الترشح للرئاسة بعد الأغلبية البرلمانية، أن السلطة التشريعية والتنفيذية باتت في يد الإخوان، ومن ثم أصبحوا في مواجهة مباشرة ويومية مع المواطن المصري من جهة، وندًا لسلطة قضائية دخلت على خط العداء وليس فقط المواجهة بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره الدكتور محمد مرسي، والذي اعتبرته السلطة القضائية تغولًا واضحًا من السلطة التنفيذية في أعمال القضاء.
ومن جانب آخر، فإن المشاكل المزمنة المتكررة وإن عزاها البعض إلى كونها مشاكل مفتعلة، مثل: أزمة الوقود وطوابير محطات البنزين، وأزمة الكهرباء وانقطاع التيار لفترات طويلة بشكل مستمر، بالإضافة إلى عديد المشاكل التي ترجع إلى عقود من الفساد، أصبحت كل تلك المشكلة على طاولة الدكتور مرسي وحكومة هشام قنديل، وأصبح المتسبب الأول والمسئول الأول عنها هو الدكتور مرسي وحكومته، والإخوان المسلمين بالتبعية.
4. التحالف مع جماعات استخدمت العنف أو أخرى تراجعت عن العنف ولكنها قابلة للعودة إلى استخدامه:
وهو منعطف خطير وخطيئة جوهرية ظهرت بوادرها في مؤتمر دعم سوريا الذي سبق الـ 30 من يونيو بقليل، والذي حضره الدكتور مرسي بنفسه، في حضور كافة القوى الإسلامية، ومنها قوى استخدمت العنف في لحظات سابقة، ولوحت بإمكانية استخدامه.
ولكن الخطر الأكبر، أن المؤتمر أرسل برسالة خطيرة إلى الأطراف المعنية بالأمن القومي المصري، سواء في القوات المسلحة والمخابرات الحربية من جهة، أو في المخابرات العامة من جهة أخرى، أن قرارات تتعلق بالأمن القومي الإقليمي مثل الملف السوري باتت تتخذ من على منصات الخطب الحماسية، وليس في أروقة السياسة وقصور الحكم واجتماعات مجلس الأمن القومي المصري.
وفي نفس الوقت، تم تفسير ذلك من قبل مؤسسات عدة خاصة السيادية منها، أن في ذلك رسالة من الإخوان بأن هناك حشود وتحالفات بين الإخوان وبين قوى أخرى ستكون جاهزة للتعامل مع أي محاولة لإخراج الإخوان من الحكم في الـ 30 من يونيو كما كانت دعوات “تمرد” تطالب بذلك، وهو ما أثار حفيظة تلك الجهات وجعلت المواجهة بينها وبين الإخوان باتت وشيكة.
ثالثًا ـ أخطاء تتعلق بقراءة الإخوان للخريطة السياسية:
وهي مجموعة من الخطايا وقع فيها الإخوان بسوء قراءتهم للخريطة السياسية، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو العالمي، ومن أهمها:
1. الفشل في التعامل مع الدولة العميقة:
فشل الإخوان في التامال مع الدولة العميقة في مصر، ودخلوا في صراع مع المؤسسة القضائية ما بين الإعلان الدستوري من جهة الدكتور مرسي، وحل مجلس الشعب من جهة المحكمة الدستورية العليا، وتوسعت لتشمل الأزهر في أكثر من مناسبة، وكذلك مواجهات مع إعلاميين مثل: باسم يوسف وغيره، وكذلك ما عرف بملف “أخونة الدولة” الذي تحدث البعض عن أنه يهدف إلى تسكين كوادر وقيادات إخوانية لا تمتلك الكفاءة في كافة مؤسسات الدولة للسيطرة عليها.
والمشكلة إن جماعة الإخوان فتحت تلك الجبهات دفعة واحدة، مما جعلها تواجه كافة مؤسسات الدولة تقريبًا، وهذا سهل من مهمة لم شمل كل مؤسسات وأفراد الدولة العميقة وشبكة علاقاتها والمستفيدين منها.
2. القراءة الخاطئة لموازين المعادلة الإقليمية:
ومن أكبر أخطاء حكم الإخوان سوء أختيار توقيت تغيير المعادلة الإقليمية في وقت تعاني فيه مصر داخليًا وتعيش فترة انتقالية وانهاك اقتصادي وانشقاق اجتماعي كان بمثابة استعجال لرسم صورة العلاقات الخارجية المصرية في وقت كان ينبغي الاهتمام بالداخل، والإبقاء على شكل العلاقات المصرية الخارجية كما هي لحين استتباب الوضع الداخلي المصري، فضلاً عن تعرض المنطقة لتحولات سريعة غير مستقر واضطرابات غير مسبوقة وحالة سيولة يصعب في ظلها توقع خريطة القوى ومكوناتها.
3. عدم طمأنة دول الخليج العربي من تصدير التجربة الإخوانية في مصر إليها:
وهو التخوف الذي بزغ في دول الخليج العربي التي يتواجد بها قوة لتنظيم الإخوان المسلمين لا يستهان بها، خاصة في الكويت والسعودية والإمارات.
وكان الأجدر هو طمأنة دول الخليج العربي التي كان النظام المصري برئاسة الدكتور مرسي وحكومة قنديل أحوج ما تكون إليه لدعم خطط التنمية وإعادة الاستقرار للاقتصاد المصري المتعثر والاحتياطي النقدي المتدهور والمشكلات الاقتصادية من البطالة والتضخم وغيرها.
ومن هنا وبعد هذه الأخطاء العشر، يبقى السؤال مفتوحًا: هل وقفت جماعة الإخوان المسلمين وقفة صادقة مع نفسها لتتساءل: كيف ضاع من يدها حكم مصر خلال سنة واحدة؟ وكيف وصل حجم الكراهية والرفض الشعبي لها إلى ما وصل إليه في 30 يونيو حين أسقط الشعب الإخوان؟ أسئلة تحتاج إلى وقفة حاسمة لجماعة الإخوان المسلمين إن كانت تود بحق أن تكون جزء من المستقبل السياسي المصري، وهي أيضًا تجربة لابد أن يقف عندها كل من يود أن يحكم مصر، حتى لا تعود الكرة مرة أخرى، فإن التاريخ يعيد نفسه، والشعب المصري به من الشباب الواعي والواعد ما يسبق نخبته بسنين ضوئية، ويستطيع تمييز الصحيح من الخاطئ، وهو الرهان الاستراتيجي الحقيقي لكل من يريد مستقبل زاهر لمصر.
حزب الإصلاح والنهضة