
الإعلامية مونيكا مجدي تكتب: المواطنة سر 30 يونيو في مصر
بقلم الإعلامية مونيكا مجدي، أمين مساعد الإعلام
في تاريخ الأمم، هناك أيام لا تُنسى؛ أيام تُكتب بماء الذهب في صفحات المجد، وتُحفر في ذاكرة الأجيال. يوم الثلاثين من يونيو في مصر لم يكن مجرد تاريخ عابر، بل كان صرخة وطن انبعثت من أعماق الشعب، زئير إرادة حرة أبت الانكسار، ولحظة فارقة كشفت عن سرّ قوة مصر الأبدي: المواطنة الحقيقية. إنها ليست مجرد كلمة تُردد، بل هي روح تسري في عروق الأمة، تدفعها للنهوض عندما يحدق الخطر، وتُوحّد صفوفها في وجه التحديات. أنه حدث عظيم، تجسدت فية المواطنة الحقيقية فأصبحت الشرارة التي أشعلت ثورة الخلاص، وأعادت لمصر وجهها الأصيل المشرق .
يُعدّ يوم الثلاثين من يونيو في تاريخ مصر الحديث نقطة تحول محورية، لا يزال صداها يتردد حتى اليوم. فما حدث في هذا اليوم لم يكن مجرد تظاهرات حاشدة، بل كان تجسيدًا حيًا لقوة المواطنة الحقيقية، التي حملت بين طياتها سرّ هذا الحراك الشعبي الهائل الذي غيّر مسار الأمة.
لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد رد فعل على حكم سياسي بعينه، بل كانت انفجارًا لإرادة شعبية عارمة شعرت بالخطر يحدق بهوية الدولة المصرية ومستقبل أجيالها. فالمواطنة، في جوهرها، تتجاوز مجرد الانتماء الشكلي لوطن؛ إنها عقد اجتماعي غير مكتوب بين الفرد والدولة، يقوم على الحقوق والواجبات المتبادلة، والشعور العميق بالمسؤولية تجاه المصير المشترك.
في الفترة التي سبقت 30 يونيو، شعر كثير من المصريين أن هذا العقد قد تم اختراقه. تآكلت ثوابت الدولة، وتم تهديد النسيج الاجتماعي، وبدأ الخوف يتسلل إلى القلوب من مستقبل مجهول. هنا بالضبط، تجلت قوة المواطنة الواعية. لم يكن الأمر يتعلق بانتماءات فئوية أو حزبية، بل بتوحّد أفراد الشعب تحت مظلة الهوية المصرية الجامعة.
لقد خرج الملايين في هذا اليوم ليس دفاعًا عن حزب أو شخص، بل دفاعًا عن الدولة المصرية ذاتها. عن تاريخها، عن حضارتها، عن مبادئها التي أرستها سنوات طويلة من النضال. كانت المواطنة هي المحرك الأساسي؛ الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن، والرغبة في صون كرامته واستقراره. لقد أدرك الجميع أن الوطن ملك للجميع، وأن حمايته واجب على كل مواطن.
وفي مشهد تاريخي تجسدت فيه وحدة المصريين، وقف الرئيس السيسي بجانب البابا تواضروس وشيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب في بيان الثورة، ليؤكدوا للعالم أجمع تكاتف الشعب المصري مسلمين وأقباطًا خلف قيادته، من أجل إنقاذ مصر من الفتنة والضياع. كان هذا المشهد بمثابة رسالة قوية تعكس روح المواطنة الحقيقية التي جمعت المصريين على قلب رجل واحد.
تجلى ذلك في شتى الصور في التفاف المصريين حول مؤسسات الدولة الوطنية، وفي رفضهم لأي محاولات لتقسيم المجتمع، وفي إصرارهم على استعادة زمام الأمور. كانت المواطنة هي القاسم المشترك الذي جمع بين أطياف المجتمع المصري المختلفة، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الفكرية. لقد أثبت 30 يونيو أن المواطن المصري يمتلك حسًا وطنيًا عميقًا، وقدرة على الفعل عندما يشعر بأن الوطن في خطر.
وها نحن اليوم، ننظر إلى 30 يونيو ليس كمجرد ذكرى، بل كدرس خالد محفور في وجدان الأمة. لقد أثبت هذا اليوم أن المواطنة الحقيقية ليست خيارًا، بل هي صمام أمان، وقوة كامنة تنتظر لحظة التحدي لتتفجر. إنها ليست شعارًا يُرفع في المناسبات، بل شعلة تُنار في قلوب كل المصريين، تدفعهم للعمل والبناء والتضحية من أجل رفعة وطنهم. فليكن 30 يونيو تذكيرًا دائمًا بأن سر قوة مصر وخلودها يكمن في وحدة أبنائها، وفي تلك الروح العظيمة من المواطنة التي ستظل دومًا الدرع الحصين الذي يحمي مصر، والوقود الذي يدفعها نحو مستقبل يليق بتاريخها العظيم.