الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

الانتخابات: كيف نكسبها لصالح الثورة؟

د. ضياء رشوان

يبدأ بعد غد فتح باب الترشيح لانتخابات مجلسى البرلمان (الشعب والشورى) لتدخل مصر الثورة أول أبواب تأسيس النظام السياسى الجديد الذى لن تكتمل الثورة سوى بقيامه ديمقراطياً شعبياً حراً. وليس هناك من مزيد يمكن قوله حول أهمية هذه الانتخابات ودورها الحاسم فى مستقبل الثورة والبلاد بأكملها، فالبرلمان هو الذى سيشكل الجمعية التأسيسية التى ستضع دستورنا الجديد، وهو الذى سيعطى بتشكيله السياسى المؤشرات الحقيقية للأوزان النسبية للقوى السياسية والحزبية فى مصر، الأمر الذى سينعكس مباشرة على انتخابات رئاسة الجمهورية، وعلى فرص المرشحين الحاليين المحتملين لها، وإمكانية ظهور مرشحين جدد. كل ذلك بالإضافة للأثر السياسى المعنوى الحاسم لإجراء أول انتخابات حرة ونزيهة فى التاريخ المصرى الحديث على وعى المصريين وروحهم المعنوية، بما يمنحهم قدراً كبيراً من الثقة فى أنفسهم وفى قدرتهم على صنع مستقبلهم السياسى، وهو ما سيؤدى بالضرورة إلى توسيع مساحة مشاركتهم فى الشؤون العامة لبلادهم.

هذه هى أهمية الانتخابات البرلمانية منظوراً إليها من معسكر الثورة الحريص على استكمالها وتحويلها لنظام سياسى مستقر، وهى أهمية قد تزيد لدى معسكر الثورة المضادة وبقايا النظام السابق الساقط، الذى يرى فيها الفرصة الأخيرة الوحيدة لاستعادة نفوذه فى البلاد وهيمنته على مقدراتها وإن كان ذلك بنسخة معدلة منه. ويراهن هؤلاء على أن الانتخابات الحرة النزيهة المتوقعة سوف تكون أصلح البوابات لعودتهم لحكم مصر، بما يعطيهم شرعية ديمقراطية لم يبحثوا عنها قط من قبل، ولكنهم اليوم فى حاجة إليها لتغطية عودتهم للهيمنة على مصر والمصريين.

ومن هنا فإن معسكر بقايا وفلول الحزب الوطنى المنحل ونظام مبارك المخلوع يبذل كل ما يملك من جهد وطاقة للحصول فى الانتخابات البرلمانية على نسبة عالية من المقاعد تجعل منه المتحكم فى مصير البلاد السياسى والمنحرف بمسار الثورة إلى حيث يعود النظام السابق بصورة معدلة. ويفسر هذا الهدف كل تلك التحركات الحزبية والفردية المحمومة والنشاط الإعلامى الزائد الذى تقوم به الأحزاب الثمانية المحسوبة على الحزب الوطنى المنحل والقيادات المعروفة بانتمائها إليه لسنوات طويلة، من أجل إعطاء المصريين الانطباع بأنهم أقوياء وقادرون على العودة لحكم البلاد برضاهم وأصواتهم فى انتخابات حرة نزيهة.

ويستغل هؤلاء ظروفاً كثيرة معقدة خلقها الوضع الثورى الحالى فى مصر من أجل التمهيد لنجاحهم فى الانتخابات وعودتهم للحكم، فهم يروجون لخطاب رئيسهم المخلوع قبل رحيله بأن البديل له هو الانفلات الأمنى والفوضى الاقتصادية والاجتماعية المرافقة للثورة بصورة طبيعية، وبالتالى فإنهم يسعون لدفع المصريين لانتخابهم بحجة أن هذا سيعيد لهم الأمن المفقود والاستقرار الضائع حتى لو كان ثمنهما هو حكم الاستبداد والفساد. كذلك فإن هؤلاء يروجون لمقولات زائفة تزعم أن الثورة قد أتت لكى تنشئ برلماناً وتقيم نظاماً سياسياً جديداً يستبعد التشكيلات الاجتماعية التقليدية التى تسيطر على قطاعات من المجتمع المصرى، وبخاصة فى المناطق الريفية القائمة فى بعضها على العائلات الممتدة وأحياناً القبائل، وهم بذلك يخاطبون فى أبناء هذه العائلات والتشكيلات الاجتماعية مخاوفهم التقليدية من استبعادهم من التمثيل فى المجالس المنتخبة البرلمانية والمحلية، وهو الأمر الذى لا يقبله هؤلاء لأسباب تخص أوضاعهم وعلاقاتهم بالتشكيلات الاجتماعية الأخرى فى المناطق التى يقيمون بها. ولم يقف هؤلاء المنتمون لحزب مبارك المنحل ونظامه الساقط عند حد محاولة ترويج هذه المقولات الزائفة الكاذبة لإقناع المصريين بالتصويت لهم فى الانتخابات البرلمانية القادمة، بل لجأوا أيضاً إلى التلويح باستخدام القوة وأساليب العنف لترويع الناخبين، وإظهار أن قوتهم القديمة الغاشمة لا تزال قائمة وأنهم قادرون – كما كانوا قديماً – على اغتصاب الحقوق والأصوات بها، وأن الإدارة الانتقالية للبلاد لن تستطيع مواجهتهم وستتركهم يفعلون بالمصريين ما يريدون.

والحقيقة أن أهمية معركة الانتخابات البرلمانية بكل الأبعاد السابقة وحسمها لمستقبل الثورة ومصر كلها يستلزمان من قوى الثورة وجماهيرها الواسعة أن تتعامل معها ومع مخاطر عودة بقايا النظام المخلوع وحزبه المنحل بصورة جادة ومنظمة، وفى هذا السبيل فإن عديداً من الإجراءات والسياسات يجب الأخذ بها.

وأول هذه الإجراءات أن تسعى الائتلافات الحزبية الرئيسية الممثلة لقوى الثورة وأحزابها إلى التنسيق الحقيقى فيما بين ترشيحاتها الفردية وقوائمها الحزبية على مستوى مصر كلها، بما يستبعد أى منافسة فيما بينها يمكن أن تفسح الطريق لقوائم ومرشحى النظام الساقط للنجاح على حسابها. ويستلزم ذلك أن تتحلى قوى وأحزاب هذه الائتلافات بروح عالية من المسؤولية الوطنية وتغليبها على أى مصالح ضيقة لأن البديل سيكون خطيراً عليها جميعاً، وهو ما يستوجب البدء فوراً فى إجراءات هذا التنسيق الذى يعد الفريضة الأولى الواجبة. ويتمثل ثانى هذا الإجراءات فى مواصلة القوى السياسية والحزبية الضغط القوى على الحكومة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة من أجل إصدار قانون العزل السياسى الذى يحرم القيادات الرئيسية فى الحزب الوطنى المنحل من ممارسة الترشح والتصويت لخمسة أعوام على الأقل. ونعيد مرة أخرى طرح مشروع هذا القانون، بأن يقوم على حكم محكمة القضاء الإدارى بحل الحزب الوطنى لإفساده الحياة السياسية فى البلاد، ومن ثم يتم تطبيق العزل على فئات محددة تولت مواقع حزبية وبرلمانية ومحلية رئيسية فيه وكانت مسؤولة وفق هذا الحكم عن هذا الإفساد. والفئات المقترحة هى: ١- أعضاء المكتب السياسى والأمانة العامة والهيئة العليا والأمانات المركزية وأمانات المحافظات للحزب المنحل منذ عام ٢٠٠٠. ٢- أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبون والمعينون المنتمون للحزب الوطنى منذ عام ٢٠٠٠ لمجلس الشعب و٢٠٠١ لمجلس الشورى. ٣- أعضاء المجالس المحلية للمحافظات المنتمون للحزب المنحل منذ انتخابات عام ٢٠٠٢. وتضمن هذه الصياغة التطبيق الفورى لعزل تلك الفئات دون تضييع للوقت فى تحقيقات طويلة حول مدى إدانتهم فردياً فى إفساد الحياة السياسية، فهم بهذه المواقع والصفات ساهموا فى ذلك دون أدنى شك.

أما ثالث الإجراءات فهو أن تتكاتف كل قوى الثورة الحزبية والسياسية فى حملة سياسية إعلامية واسعة ومستمرة حتى انتهاء آخر مراحل الانتخابات البرلمانية لفضح الأحزاب والأفراد المنتمين للنظام المخلوع وحزبه المنحل الذين لن يطبق عليهم قانون العزل، بنشر مستمر لقوائم سوداء تحمل أسماءهم وصفاتهم الحزبية والبرلمانية فى ظل نظام مبارك، مقرونة بما ساهموا فيه ووافقوا عليه من سياسات دمرت حياة المصريين سواء على المستوى القومى أو على مستوى المحافظات والدوائر التى سيرشح هؤلاء أنفسهم فيها.

ولكى تعطى هذه الحملة نتائجها فلابد من اقترانها بإجراء آخر بين قوى الثورة وأحزابها وهو البدء فى حوار فورى صريح فيما بينها للكشف عن عناصر الحزب الوطنى المنحل التى تسربت إلى ترشيحاتها الفردية أو قوائمها الحزبية خلال الأسابيع الأخيرة، وهى حالات ليست قليلة، بما يتطلب منها جميعاً حملة «تنظيف» لها من هؤلاء المرشحين الذين سيستغلون هذه الترشيحات للعبور إلى البرلمان لكى ينضموا هناك إلى حلفائهم الأصليين من بقايا النظام والحزب المنحل.

إن الأخذ بهذه السياسات والإجراءات وغيرها مما قد يقترح فى مواضع أخرى سوف يمكّن قوى الثورة من أن تعبر بوابة الانتخابات البرلمانية بسلام وهى حاصلة على أغلبية مريحة تمكنها من البدء فى إقامة النظام السياسى الجديد بصورة تتناسب مع ثورة المصريين العظيمة وتضحياتهم الهائلة خلال تاريخهم الحديث.

المصدر: المصري اليوم