نحو استعادة مصر لمكانتها في أفريقيا
بقلم الأستاذ علي عبد المطلب, رئيس اللجنة السياسية
تاريخ العلاقات المصرية الأفريقية ممتد ومتراكم منذ العصر الفرعوني ثم المسيحي وحتى الإسلامي، وكانت مصر حاضرة بقوة على الساحة الأفريقية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وكانت فاعلًا أساسياً فى عملية موازين القوى فيما بينها وبين إقليمها الأفريقي، وعلى المستوي العالمي فيما بين القارة الأفريقية والقوى الأجنبية الأخرى، إلا أنه في العقود الأخيرة تراجع الدور المصري في أفريقيا بقوة بل وصل إلى حد الغياب، وأهملت مصر عمقها الأفريقي. ويتناول هذا المقال أهم أسباب تراجع الدور المصري في أفريقيا، ويقدم رؤية مقترحة لعودة الدور الريادي المصري في أفريقيا بما يتناسب مع المتغيرات الراهنة ليس في مصر فحسب بل في الدول الأفريقية أيضًا.
وبداية يمكن القول أن مراحل الصعود أو التراجع فى العلاقات المصرية الأفريقية ارتبط بالأساس بحالة الدولة المصرية وقوتها وفاعليتها، حيث تعمقت العلاقات مع أفريقيا وقت أن كانت مصر قوية وتمتلك مشروعا ورؤية متكاملة لدورها ولأوضاع المنطقة من حولها، وتراجعت فى مراحل الضعف والانكفاء المصري.
ولعل من أهم أسباب تراجع الدور المصري في أفريقيا في العقود الأخيرة هو بناء السياسة المصرية تجاه أفريقيا على أساس منهج التكلفة والعائد، وبالتالي النظر إلى الدور المصري في أفريقيا على أنه مكلف اقتصاديًا، ولذلك ما كانت تتحرك مصر على الساحة الأفريقية بصورة جدية إلا عند وجود مشكلات كبرى تهدد أمنها القومي بصورة مباشرة، هذا بالإضافة إلى المنظور الأمني في التعامل مع القضايا الأفريقية مثل قضايا السودان ودول حوض النيل خاصة بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في أديس أبابا، كما ساعد انشعال الدولة المصرية في السنوات الأخيرة بأوضاعها الداخلية على زيادة تراجع دور مصر في القارة السمراء.
وفى الوقت الحالي، تبدو علاقات مصر الأفريقية مهيأة للانطلاق في ظل رغبة الدولة المصرية باستعادة مكانتها الإقليمية وإدراكها أن تحقيق مصالحها لن يتم إلا في ظل دور نشط ومتفاعل مع جواره الإقليمي، وإدراكها كذلك للآثار السلبية لابتعادها عن عمقها الأفريقي في العقود الأخيرة.
وهناك محاور عدة تستطيع الدولة المصرية أن تتحرك من خلالها في الوقت الراهن لزيادة نفوذها وتاثيرها في محيطها الأفريقي واستعادة دورها الريادي في أفريقيا، ولعل أبرزها ما يلي:
أولًا: محور العمل الجماعي الأفريقي: أي أن تلعب مصر دورًا بارزًا في العمل الجماعي الأفريقي ولن يتأتى ذلك إلا بزيادة دور مصر وإسهامها فى حل الصراعات الأفريقية بما لديها من خبرة سياسية وأمنية في تسوية الصراعات، بالإضافة إلى تفعيل دورها القائم بالفعل فى قوات حفظ السلام، فضلًا عن توجيه الدبلوماسية المصرية لمزيد من العمل الفعال دفاعًا عن القضايا الأفريقية فى المحافل الدولية خاصة وأن مصر حاليًا عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، وعضو في مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي.
ثانيًا: المحور الاقتصادي: فتعميق الشراكة الاقتصادية مع أفريقيا يعد مدخلًا مهمًا لتطوير العلاقات خاصة في ظل تطلع شعوب القارة الأفريقية لتحقيق تنمية حقيقية، كما أن القارة الأفريقية تعتبر سوقًا واعدًا حيث يوجد فى أفريقيا سبع دول تعد بين الدول العشر الأسرع نموًا من الناحية الاقتصادية فى العالم، ومن ثمَّ توجد فرص اقتصادية حقيقية للاستثمار والتعاون ونقل الخبرات بين مصر والقارة الأفريقية بما يساعد على تحقيق شراكة حقيقية، وقد اتجهت مصر إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين التكتلات الاقتصادية في أفريقيا وبرز ذلك في مؤتمر التكتلات الاقتصادية الأفريقية الذي استضافته مدينة شرم الشيخ في يونيو العام الماضي، ولكن لا تزال الآليات المصرية في تحقيق التكامل الاقتصادي مع أفريقيا غير مواكبة لحجم التحديات.
ثالثًا: المحور الثقافي: فمصر لديها العديد من أدوات القوة الناعمة فى أفريقيا ورصيد حضارى وإنسانى يحتاج إلى تفعيل جاد وبرؤى مختلفة، والأزهر الشريف يعتبر الأداة الناعمة الأبرز في هذا الشأن فالوفود الطلابية الأفريقية بالأزهر في تزايد مستمر من عام إلى عام، بل إن بعض رؤساء الدول الأفريقية حاليًا من خريجي الأزهر، كما يجب تفعيل دور المراكز الثقافية المصرية في الدول الأفريقية، وإنشاء المزيد منها خاصة في منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي، إلى جانب تفعيل دور الجامعات والسفارات المصرية، مع العمل على إزالة المدركات السلبية المتبادلة وفتح آفاق جديدة للتعاون وتنمية العلاقات المشتركة فى كافة مجالاتها.
تحتاج مصر إلى التحرك السريع على هذه المحاور السابقة لتحمي أمنها القومي وتحافظ على مصالحها الاستراتيجية، ولكي تستعيد مكانتها الريادية في القارة الأفريقية في ظل منافسة قوية من دول أفريقية كبيرة تسعى لأخذ مكانة مصر وريادتها في القارة السمراء.