وماذا بعد القرض؟
هلل الكثيرون للخطوات الاقتصادية التي سبقت إعلان حصول مصر على قرض صندوق النقد، والخطوات التي شملت تقليل النفقات ورفع الدعم عن المحروقات ومحاولة السيطرة على أسعار الدولار المتذبذبة وكذلك تعويم الجنيه، وهي قرارات أراها سليمة من الناحية الاقتصادية، ولكن ماذا بعد القرض؟
مرحلة ما بعد القرض تطرح أسئلة عدة … ماذا عن الجانب الاجتماعي وتأثير تلك الخطوات على الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل بشكل أخص؟ما هي خطة الحكومة للتعامل مع القرض بدفعاته المختلفة؟ وكيف ستجعل القرض هو نهاية الأزمة وليس تسكينًا لأزمة سابقة وبداية أزمات جديدة؟أين البرلمان؟ وما هي خطته للمراقبة على أداء الحكومة في التعامل مع القرض؟
دعونا نتفق على كون الخطوات المتخذة كان لابد منها ولكن في نفس الوقت دعونا نتفق على أن الطريقة التي اتخذت بها هذه الأجراءات لم تكن على المستوى المطلوب، بل كانت أحيانًا كارثية.
الكارثة الأولى:
ما هي الرسالة التي وصلت للعالم من حكومة أعلنت رفع الدعم عن المحروقات بقرار جاء في جنح الظلام، وسرب للإعلام، ثم تم تكذيبه في نفس الوقت الذي كانت فيه جميع محطات الوقود تعلم بالزيادة المتوقعة في أسعار المحروقات المختلفة؟!
الرسالة التي وصلت أن لدى مصر حكومة لا يمكن التعامل معها بأمان فيما يتعلق بالقوانين التي قد تصدر في غفلة من الزمن، والجميع يعلم خطورة ذلك على المناخ الاستثماري المدمر أصلًا في مصر، فليس هناك مستثمر يقبل على الاستثمار في بلد تخرج فيها القوانين في خلسة من الزمن دون سابق إنذار، وإن كان هناك إنذار للمستثمرين مثلًا ـ إن كان قد حدث ذلك كما يقول البعض ـ فهل الحكومة تعتبر الشعب العادي من غير المستثمرين مواطنين من الدرجة الثانية لا يحق لهم أن يعرفوا الحقيقة وأن يحضروا أنفسهم لها؟! هذه واحدة.
الكارثة الثانية:
أما الثانية فهي في التقارير الواردة عن نفقات الحكومة، وهي أمور لا نحتاج فيها إلى تقرير لتأكيدها؛ لأنه يكفي الدخول على مكاتب بعض وكلاء الوزراء في بعض المحافظات التي تعاني من الفقر كما في الصعيد مثلًا أو تلك التي في في الوجه البحري لنرى بذخ الإنفاق الحكومي، وهو أمر لابد من النظر إليه، لأنه إن كانت الحكومة تدعو الشعب إلى “ربط الحزام” وإلى برنامج تقشف، فلابد من باب أولى أن تبدأ الحكومة نفسها بربط حزام التقشف وليس ربط حزام السيارات الفارهة، ولنا المثل في وفد الحكومة السنغفورية الذي كان يقوم مؤخرًا بجولاته الخارجية بطائرات عادية وبعضهم على الدرجة الاقتصادية وليست طائرات خاصة ترشيدًا للنفقات.
ولذا لابد من اتخاذ تلك التدابير حتى لا تضيع المليارات القادمة على هذه البنود من المصروفات وفي نفس الوقت لابد على الحكومة أن تجيب على السؤال الأهم: إن كانت هذه المليارات لن تضيع في بنود غير هامة، وسيتم استثمارها فهل لدى الحكومة خطة حقيقة وفعالة ومعايرة في ذلك؟! وإن كانت تلك الخطة موجودة بالفعل، فأين هي؟! ولماذا غياب الشفافية والتكتم في عصر لم يعد فيه التكتم على أي خبر شيء ممكن الحدوث؟!
غياب الشفافية يجعل الباب مفتوحًا أمام “أهل الشر” الحقيقين لنشر الإشاعات وخلق الأكاذيب وافتعال أزمات لم تحدث، ونشر أرقام تجافي الصواب، فهلا انتبهت الحكومة والوزراء ومتحدثيهم الإعلاميين لذلك؟! أما آن الأوان ليخرجوا على الشعب في إيجازات صحفية دورية، بدلًا من اعتماد نظرية “إحنا عارفين مصلحتكم”؟!
الكارثة الثالثة:
أين البرلمان؟! أين مندوبي الشعب للدفاع عن حقوق الشعب؟! هم وقفوا صفًا واحدًا مع الحكومة وهذا شيء مقبول باعتبار أن القرارات بالفعل ضرورية وإن كانت موجعة، ولكن أين الأصوات التي تتحدث وتسأل وتناقش وتراقب وتحاسب الحكومة؟! أين الأصوات التي لابد أن تطلب من رئيس الوزراء أن يقدم برنامج حكومته الجديد في أعقاب الموافقة على القرض؟! فلم يعد البرنامج السابق كافيًا، ولكن بات من المهم ألا نراكم ديونًا على الديون التي وصلت لـ 100% من الناتج المحلي، فأين دور نواب الشعب للحفاظ على مقدرات الشعب ولتسليم البلد للجيل التالي بحالة اقتصادية مستقرة أو في طريقها للاستقرار، بدلًا من تسليم الميزانية القادمة بدين وعجز إضافي على ما تم في العام الماضي؟!
إضاءات على طريق الخروج من الأزمة:
وحتى لا يكون الكلام نقدًا عبثيًا، إلى الحكومة المصرية طائفة من الحلول البسيطة والعملية:
- إيجاز صحفي أسبوعي من الحكومة سواء على لسان رئيس الحكومة أو المتحدث الإعلامي لشرح كافة الخطوات التي تتخذها الدولة ولطمأنة المستثمرين ورجال الأعمال في الداخل والخارج.
- إعلان صريح وواضح من الوزراء بتقليل نفقاتهم الشخصية والتخلي عن مظاهر الإسراف الحكومي غير ذي الجدوى والاكتفاء بما هو لازم وضروري فقط لإتمام عملهم.
- قيام البرلمان بعمل جلسات استماع للوزراء لسماع خططتهم بناء على مستجدات القرض وإذاعة بعض أو كل ما في هذه الجلسات للرأي العام.
- فتح حوارات مجتمعية مع الشباب المصري بصورة دورية لتثقيف الشباب وسماع آرائهم في القضايا التي تهم المواطنين، وذلك من خلال قوافل توعية تجوب المحافظات بشكل أولي، ثم يتم تدريب بعض الشباب للقيام بتلك الجولات في المدن والقرى والكفور والنجوع حتى لا نترك المواطن فريسة الشك والفتي أو فريسة التدليس والكذب.