صديق خان .. إشارات ودلالات
انتخاب صديق خان عمدة للعاصمة البريطانية لندن – أكبر مدن الاتحاد الأوروبي وأكثرها سكانًا – ليصبح أول بريطاني مسلم يتقلد هذا المنصب بتاريخ المدينة بل وبتاريخ كبرى العواصم الغربية في العالم، على الرغم من كونه مسلمًا مهاجرًا ذا أصول باكستانية ونشأ في أسرة بسيطة يعمل عائلها سائق للحافلات في لندن، يعطينا العديد من الإشارات والدلالات.
سنقف سريعًا في هذا المقال مع أحد هذه الدلالات وهو الدور الحيوي الذي تأديه الأحزاب السياسية في مجتمعها، فخان يعتبر أحد الكوادر الحزبية المتميزة في حزب العمال البريطاني، وكان نائبًا في البرلمان عن الحزب عام 2005، ثم وزيرًأ في حكومة براون، وأخيرًا عمدة للندن، وهنا تظهر وظيفة هامة تؤديها الأحزاب السياسية ألا وهي وظيفة جذب الكوادر المتميزة وإعدادها؛ فالأحزاب تعمل على تخريج السياسيين على المستوى الوطني من بين كوادرها من خلال ما تقوم به من تدريبهم على العمل السياسي والدفع بهم في الانتخابات ومجالات العمل العام وتعريف المجتمع بهم، وهذا ما حدث مع صديق خان.
فما كان خان – وهو المهاجر من أسرة بسيطة- ليصل إلى هذا المنصب لولا أن توفرت له قناة شرعية – أي حزب العمال البريطاني – لكي يشارك بفاعلية في العمل العام ويتقلد المناصب المختلفة ممثلًا لحزبه حتى وصل إلى منصب من أرفع المناصب في بريطانيا، وهنا يأتي دور الأحزاب في جذب وإعداد الكوادر ذات النزع القيادي وتتقديمهم للجماهير ليشاركوا في تقدم ورقي مجتمعهم.
كما تتجلي هنا وظيفة أخرى هامة للأحزاب السياسية ألا وهي وظيفة الاندماج القومي؛ فعلى الرغم من كون خان يدين بالإسلام وذا أصول باكستانية إلا أن ذلك لم يكن عائقًا أمامه ليصل إلى ما وصل إليه عبر مساندة ودعم حزب العمال له، مما جعله يشعر بعمق انتمائه لبريطانيا ويقول في إحدى المناسبات: ” أنا لندني، أنا بريطاني، لدي أصول باكستانية، وأنا أب وزوج ومناصر لنادي ليفربول منذ زمن طويل، أنا كل هذا”. فوز صديق خان يعطينا دلالة واضحة لأهمية وجود أحزاب سياسية ديمقراطية وفاعلة في المجتمع، فبعض الناس في مصر قد ينظرون إلى الأحزاب السياسية نظرة سلبية ويرون أنها لا تسعى إلا وراء مصالح شخصية ولا تؤدي دورًا فاعلًا في مجتمعها ومن ثمَّ فلا حاجة إليها، وهذا خطأ كبير فالأحزاب السياسية لا غنى عنها لكي تكتمل تجربة التحول الديمقراطي التي تمر بها مصر ويكتب لها النجاح.
وإذا كانت الأحزاب السياسية المصرية حاليًا تتسم بالضعف وعدم الفاعلية فهذا ليس مبررًا لتهميشها، فقد عانت الأحزاب المصرية طويلًا من التضييق وغياب المناخ الديمقراطي الحاضن لها، بل هذا هو حال مختلف التجارب الحزبية في مراحل التحول الديمقراطي، فلا يُمكن الوصول إلى أحزاب قوية وفاعلة إلا بمرور الوقت ونضج التجربة بالتدريج.
وأخيرًا يوجه فوز خان رسالة للأحزاب المصرية ألا تكتفي بالظهور في وسائل الإعلام فحسب، بل عليها أن تنزل إلى أرض الواقع وتحتك مباشرة مع المواطنين وتتبنى طموحاتهم وتطلعاتهم لتبني قواعدها الجماهيرية وسندها الشعبي، وأن يكون للأحزاب فاعلياتها وأنشطتها المستمرة وذلك يمكنها بصورة كبيرة من اجتذاب وضم الكوادر المتميزة التي تساهم بفاعلية في أنشطة الحزب. كما يجب على الدولة المصرية أن تعطي لجميع الأحزاب فرصة الظهور الإعلامي وعرض أفكارها وبرامجها على المواطنين، وكذلك أن تعمل على إزالة أي عوائق تحول دون ممارسة الأحزاب لدورها في الحياة السياسية وتفاعلها مع الجماهير.
إذاً فلا غنى عن وضع رؤية مشتركة من قبل الدولة المصرية والسياسيين والقيادات الحزبية لتقوية الأحزاب السياسية وجعلها مؤسسات ديمقراطية حقيقية تُخرج للمجتمع قيادات وكفاءات وتقوم بدور هام في استيعاب كافة التيارات والتوجهات السياسية لتقدم للمجال العام أفضل ما في المجتمع من كوادر وكفاءات، وليشعر الجميع بإنتمائه لبلده ويساهم في رفعتها وتقدمها.
بقلم: علي عبد المطلب نصر
رئيس اللجنة السياسية بحزب الإصلاح والنهضة