الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

تساؤلات حول المسار الثوري والمسار الإصلاحي

بقلم المهندس محمد بخيت عضو حزب الإصلاح والنهضة ..,

عقب ثورة 25 يناير ونجاح المسار الثوري في إسقاط مبارك, رأس النظام ظهرت تساؤلات حول المسار الثوري هل هو الأنجح كنموذج تغييري أم المسار الإصلاحي وكانت الأصوات المنادية بالمسار الثوري هي الأعلى عقب الثورة إلى أن بدأت الثورة تتعثر شيئا فشيئا مع تتابع الأحداث فكان التساؤل هل المسار الثوري هو الأصلح في مصر؟ أم أن هناك طريقاً آخر للتغيير؟

عبر التاريخ هنالك أمثلة نجحت في التغيير عبر المسار الثوري وأخرى عبر المسار الإصلاحي ولا يمكن أن تأخذ تجربة برمتها دون الرجوع إلى طبيعة المجتمع المراد تغييره وهذا ما يطلق عليه “توصيف المجتمع والبيئة المحيطة” ومن ثم دراسة مواطن الخلل وبناء عليه يتم تحديد سبل التغيير.

لماذ اتخذت المسار الإصلاحي كسبيل للتغيير؟

كأحد أعضاء حزب الإصلاح والنهضة كنت أرى أن المشكلة الحقيقية في مصر هي بالأساس مشكلة مجتمعية,  بعدما تعدى الفساد من مجرد فساد سياسي إلى أن تجذر هذا الفساد داخل أركان المجتمع عبر السنين إلى أن أصبح ثقافة وعادة.

وعبر التاريخ لم أر مجتمعاً مريضاً نجح في تغييره مسار ثوري دون أن يسبقه مسار إصلاحي بعشرات السنين، فالمسار الثوري في ظل مجتمع يعاني من جهل وفقر ومرض حتما سيفشل، لأن النخب الثورية والسياسية هي بالتأكيد تأثرت بهذا المجتمع بما فيه من مشكلات وهذا ما ظهر جلياً عقب ثورة يناير من تصرفات القيادات السياسية في مختلف الحركات والأحزاب,  ورأينا افتقارهم للرؤية الاستراتيجية ورأينا منهم المطامع لجني مكاسب شخصية كل هذا وجدناه في النخبة المنوط بها التغيير افتقدت أدنى مقومات رجال الدولة فما بالك بما دون ذلك؟!

ولذلك بعد تعثر ثورة يناير وعدم قدرتها على تحقيق مطالبها النبيلة,  تأكد للجميع أن الحل لتغيير الوضع والنهوض بمصر هو المسار الإصلاحي طويل المدى يبدأ بتكوين نخبة من الشباب لديها حلم ورؤية وهدف لمواجهة الفساد وبناء حضارة عبر التوعية بالمسؤولية المجتمعية لجيل الشباب وتوجيه طاقته الحقيقية للبناء لأن هذا هو السبيل الوحيد للتغيير البناء وليس الهدم.

كيف يتفاعل المسار الإصلاحي مع التغيرات السياسية؟

 رغم أن المسار الثوري والإصلاحي طريقان مختلفان إلا أنهما قد يلتقيان في وقت ما إذا كان الهدف هو مصلحة الوطن.

حزب الإصلاح والنهضة بالأساس اتجاه إصلاحي وليس ثوري ولا يرى التظاهرات والاعتصامات هي السبيل للتغيير ولكنه أيضا لا يعارضها فهي حق مكفول لكل مواطن طالما لم يتعدى على القانون.

ولذلك مع بداية ثورة 25 يناير لم يشارك الحزب في الثورة لأنها بدأت في البداية من حركات ثورية أرادت إسقاط النظام كمطلب شعبي فلم يتحرك الحزب إلا حينما رأى أن الثورة بالفعل ليست ثورة حركات وقوى سياسية معارضة ولكنها ثورة شعب ضد النظام ووقتها شارك الحزب قبل تنحي مبارك تأييدا لمطالب الثورة الشعبية وهي العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

وبعد نجاح الثورة في إسقاط رأس النظام رأى الحزب أن تحقيق مطالب الثورة لابد أن يتم عبر آليات ديمقراطية فطالبنا بسرعة تشكيل برلمان يمثل الشعب ومن ثم وضع دستور يرسم ملامح مستقبل الوطن ثم اختيار رئيس توافقي يرضي طموح الشعب ويحقق مطالب الثورة.

طالبنا من القوى الإسلامية والثورية والليبرالية أن يحرص كل منهم على التوافق وعدم إقصاء الآخر وتغليب مصلحة الوطن على المصلحة الحزبية والسعي لتكوين عقد اجتماعي جديد والوقوف على أرضية مشتركة تسع الجميع.

وطلبنا ذلك من القوى الإسلامية مع بداية الانتخابات البرلمانية ولم يأخذوا بهذا النصح وأصروا على الدخول بأغلبية مستغلين عدم جاهزية باقي القوى, ثم طالبنا ذلك عند تشكيل لجنة الدستور ولم تسمع به القوى الإسلامية وأصروا على إقصاء الكفاءات وتغليب أهل الثقة, ثم طالبنا بعدم الدفع بمرشح ينتمي للتيار الإسلامي وترك المجال لمرشح توافقي يلتف حوله الشعب ولم يستمعوا أيضا واضطررنا بانتخاب الدكتور مرسي حرصاً على مصلحة الوطن أنذاك لخطورة نجاح المرشح الآخر لعدم تقبل الشارع له, واتخذنا الخط المعارض للرئيس السابق في القرارات الخاطئة من إقصاء الآخرين وعدم الاستعانة بالكفاءات الأخرى وتغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن, ولكننا طالبنا من القوى المعارضة عدم الانجرار للعنف وتغليب صوت الحكمة والعقل والسعي للوصول لحل يرضي الجميع ومراعاة الأمن القومي للبلاد.

إلى أن جاءت ثورة 30 يونيو  التي وصفناها أنها ثورة ضد حكم الإخوان ليست ثورة شعبية كثورة 25 يناير ولكنها مطلب شعبي لإنهاء حكم الإخوان المسلمين بعد فشلهم في إدارة البلاد طوال العام الذي حكموا فيه, وطالبنا من الإخوان الاعتراف بالهزيمة ومراجعة الفترة السابقة والعودة مرة أخرى دون الصدام مع الدولة ومع المجتمع والانجرار لمعركة لا طائل منها إلا مزيد من الدماء والاحتقان بين أفراد المجتمع، ولم يستمعوا لهذا النصح وأصروا على دفع الشباب في معركة ضد مؤسسات الدولة وتحميسهم بالشعارات الدينية وفي نهاية الأمر هم يعلمون أن حل الأزمة هو سياسي بالأساس وهو ما يلمحون إليه الآن ولكن بعد إزهاق الآلاف من الدماء.

كيف يرى المسار الإصلاحي مطالب الثورة وكيف يسعى للوصول إليها؟

 حزب الإصلاح والنهضة يرى مطالب ثورة 25 يناير هي مطالب نبيلة وهي حق لكل مواطن مصري ولكننا نختلف عن المسار الثوري في كيفية الوصول لهذه المطالب.

فنحن نرى أن الثورة بالأساس هي ثورة شباب ثورة جيل يريد أن يحقق ذاته وهو ما يسعى إليه الحزب من تمكين الشباب، فالعجيب أن ترى من الاتجاهات الثورية من يدعي أنه مع مطالب الثورة وتمكين الشباب وأعضاء هذه الاتجاهات وقياداتها ومتخذي القرار فيها في عمر الخمسينات والستينات!, فنحن نرى أن مطالب الثورة ستتحقق بتمكين الشباب وهو ما نطبقه بالفعل وليس بالشعارات فأغلب قيادات الحزب تتراوح أعمارهم بين 25 و35 عاماً.

وتفاعلنا مع باقي القضايا من انتهاك الحريات أو التعذيب يكون عبر التصعيد السياسي والإدانة السياسية وليس عبر قطع الطرق وحرق المنشآت, وشاركنا مؤخرا في مؤتمر لمواجهة جرائم التعذيب وتحقيق العدالة الانتقالية, وكان موقفنا تجاه فض اعتصام رابعة هو إدانة طريقة فض الاعتصام لأننا كنا نرى أنه يمكن التعامل مع الاعتصام بطرق أخرى تجنبنا هذا الكم من الدماء المصرية, كما أدنا بشدة حوادث الاعتداء على جنود الجيش والشرطة ووصفناها بأنها عمل إرهابي يريد العبث بأمن الوطن.

كذلك كانت مواقفنا عند كل نقطة دم مصرية تسيل سواء هذا الدم هو دم جيكا أو الحسيني أبو ضيف أو أسماء البلتاجي أو جنود رفح أو ظباط الشرطة فالدم المصري كله حرام, هكذا رؤيتنا لتحقيق المطالب فالحرية ستأتي بتمكين الشباب، والعدالة الاجتماعية ستأتي بمسار إصلاحي طويل تشاركنا فيه مؤسسات المجتمع المدني، والكرامة الإنسانية ستتحقق بالمسار السياسي بالرقابة والمعارضة لكل الانتهاكات.

كانت هذه نبذة عن أبرز الفروق بين المسار الإصلاحي والمسار الثوري, ولماذا نرى أن المسار الإصلاحي هو السبيل وكيف يسعي لتحقيق مطالب المجتمع المشروعة, وهذه دعوة للشباب أن يوجهوا طاقتهم لبناء المجتمع وعدم الدخول في معارك ومواجهات لا طائل منها فمصر لن تقوم إلا بإصلاح المجتمع والتوجه له, والمسار الإصلاحي طويل يحتاج إلى رواد يشقون الطرق الوعرة حتى يمضي خلفهم الكبار والصغار فهذا الجيل إن سار في المسار الصحيح سيكتب في التاريخ أنه من أنقذ مصر من محنتها وجعلها في مقدمة الدول.