ابو الهول داخل جمعية !!
بقلم: شريف شحاتة – أمين اللجنة الاقتصادية
“لو ابو الهول نطق…” هكذا يعلق البعض على قدرة المصريين العجيبة على استيعاب ضغوط الحياة اليومية، ولكن فيما يبدو أن الشعب المصرى قد خلق لنفسه حلولاً للتعايش مع طبيعة هذه الضغوط، فبحسبة بسيطة قد ندرك أن تكلفة سندوتشات الفول “فقط” دون حساب اى مصاريف ضرورية اخرى على مدار الشهر قد تفوق متوسط دخل الاسرة بعدة مئات من الجنيهات.
طبقاً لمؤشـــرات الفقر الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لسنة 2012/2013، فأن أكثر من ربع عدد سكان مصر (26،3%) يعيشون تحت خط الفقر والمقدر بدولار وربع فى اليوم، أى مايساوى حوالى 8.75 جنيها فى اليوم. بالإضافة إلى معدلات البطالة التى وصلت إلى حوالى 14% ، فهل يعقل أن نتحدث عن خفض الدعم دون النظر والمراعاة لهذا الواقع المرير.
ولكن من ناحية أخرى، وفى ظل الظروف الإقتصادية الحالية من عجز للموازنة العامة و زيادة للدين وانخفاض احتياطى النقد الاجنبى، لا يمكن الإبقاء على الدعم فى صورتة الحالية، فهو يشكل ضغطاً كبيراً على ميزانية الدولة، إلى جانب كونه عقبة امام شروط مساعدات صندوق النقد الدولى. فما الحل إذن؟
يجب أن تكون البداية بالتركيز على قنوات تسرب هذا الدعم كخطوة أولى سواء بسبب الفساد أو ضعف كفاءة المنظومة الحالية بوجه عام، ثم تأتى الخطوة التالية و هى تفعيل منظومة جديدة للدعم من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات وقواعد البيانات التى تربط بين بيانات الاسرة بمدخارتها ودخلها من ناحية، ومصروفاتها فى المجال الصحى و التعليمى و غيره من المجالات من ناحية اخرى. وبناءً علية يتم تحديد (وبكل دقة) الحالة الإجتماعية لكل اسرة والطبقة التى تنتمى إليها، ونسبة الدعم المفروضة لها.
مجرد وصول قواعد البيانات لهذه الدرجة من الدقة والنضج يفتح الباب لإمكانية التحول إلى نظام الدعم النقدى بديلاً عن نظام الدعم العينى المتبع حالياً فى مصر. ومن ثم تحصل كل اسرة على قيمة الدعم المناسب لها على هيئة قيمة مالية تحول على حساب بنكى خاص بها، مع امكانية تغير هذه القيمة بالزيادة أو النقصان بحسب التغير فى الحالة الإجتماعية للأسرة. وفى المقابل تحرر اسعار كل السلع والخدمات.
ومن مميزات العمل بنظام الدعم النقدى، أن الدعم يكون للمستهلك المستحق لهذا الدعم وليس للمنتج الذى يشتريه من يستحق ومن لايستحق للدعم. كما أن تحرير اسعار المنتجات سيؤدى الى القضاء تماماً على ظاهرة السوق السوداء، بالإضافة إلى خلق روح التنافس ومن ثم تحسين جودة السلع و الخدمات المقدمة.
كفاءة المنظومة الجديدة تظهر من خلال امكانية خفض القيمة الكلية للدعم وبالتالى خفض عجز الموازنة (الزاوية الإقتصادية)، مع الابقاء على قيمة الدعم كما هى للطبقات الفقيرة، بل وزيادتها للطبقات الاكثر احتياجاً (زاوية العدالة الإجتماعية).
وبناءً عليه، نستخلص أن تطبيق المنظومة التكنولوجية الجديدة و التحول للدعم النقدى يعد بداية وخطوة اولى نحو تحقيق مفهوم “وصول الدعم لمستحقيه” الذى طالما قد افرغ من منضمونه لسنوات عديدة.
وإلى هذا الحين، سيظل ابو الهول صامتاً لا يقوى إلا على أن يدخل جمعية مطالباً أن يقبضها هو اولاً.