سقوط مدرسة التغيير السياسي
قد يبدو عنوان هذا المقال مستغرب لدى البعض فكيف ينظر حزب سياسى لسقوط ما يسمى بمدرسة التغيير السياسى؟ أليس هذا الحزب حزب يمارس السياسة و يسعى لإستخدامها كأداة من أدوات التغيير؟ و إجابات هذه الأسئلة هى لب طبيعة حزب الإصلاح و النهضة الذى يعتبر أول حزب إجتماعى فى مصر.
إجابة هذه التساؤلات وغيرها عن مدارس التغيير المختلفة نجدها بشكل تفصيلى فى كتاب “نهضة أمة” الصادر بتاريخ 2008 و كتاب “مشروع الإصلاح الإجتماعى” الصادر بتاريخ 2011 وكلاهما للأستاذ هشام مصطفى عبد العزيز رئيس حزب الإصلاح والنهضة
من خلال قراءة فى هذين الكتابين يمكننا ان نضع الفروقات الأساسية بين ما يسمى بـ مدرسة “التغيير السياسى” و مدرسة “التغيير الإجتماعى” التى يعبر عنها حزب الإصلاح و النهضة كأول حزب إجتماعى فى مصر
فى البداية نحتاج لتحرير مفهومين هامين لتوضيح ما نقصده بالضبط
المفهوم الأول هو ما نقصده بمدرسة “التغيير السياسى” و هى المدرسة التى يسعى أصحابها إلى تغيير المجتمع وإصلاحه من خلال تبنى أسلوب التغيير السياسى فقط حيث يرون انه لن يمكن إحداث تغيير حقيقى فى المجتمع إلا من خلال إمتلاك مقاليد السلطة ومن ثم يستطيعون بعد ذلك تطبيق رؤيتهم فى إصلاح المجتمع وتغييره بشكل فوقى من أعلى هرم السلطة و يمكن أن نقول بالنظر للواقع السياسى المصرى ان الحزب اوالحركة التى مثلت نظرية التغيير السياسى هى جماعة الإخوان المسلمون و حزبها السياسى الحرية و العدالة
المفهوم الثانى هو ما نقصده بـ “الحزب الإجتماعى” فهذا التعبير ربما يكون جديدا بعض الشىء على الواقع السياسى المصرى بالرغم وجوده فى العديد من دول العالم وخلاصة المقصود بالحزب الإجتماعى إنه حزب يتبنى منهج التغيير الإجتماعى أى انه يتبنى قضايا إجتماعية معينة يسعى لتحقيقها من خلال العمل السياسى و بالتالى فأولوية هذا النوع من الاحزاب هى القضايا الإجتماعية التى تتبناها وتسعى لمعالجتها بشتى الوسائل ولا تحصر وسائلها فى الوصول للسلطة فقط كما تفعل الأحزاب اوالحركات التى تتبنى مدرسة التغيير السياسى و يمكن ان نقول بالنظر للواقع السياسى المصرى ان أول حزب إجتماعى يتبنى منهج “التغيير الإجتماعى” فى مصر هو حزب الإصلاح والنهضة
ويمكننا بعد هذا التحرير لمفهومى ” التغيير السياسى” و “الحزب الإجتماعى” أن نطرح موضوعنا الأساسى فى صورة إجابة على سؤالين
السؤال الأول هو لماذا سقطت مدرسة التغيير السياسى متمثلة فى تجربة جماعة الإخوان المسلمون؟
يمكننا ان نلخص أسباب فشل مدرسة التغيير السياسى فى عدة نقاط كالتالى:
1. تبنى نظرية القاعدة الصلبة: و هذه النظرية بإختصار تعتمد على إصلاح المجتمع من خلال تكوين قاعدة صلبة اوما يسمى بالمجتمع البديل الذى تتوافر فيه شروط الصلاح وذلك لأن هذه المدرسة ترى ان واقع المجتمع الذى نعيش فيه فاسد لدرجة لا يمكن معها التوجه ناحيته ككل بالإصلاح وبالتالى لا مفر سوى من تكوين المجتمع البديل الذى يحمل لواء القضية ويتصف بالصلاح والتقوى وهذا المجتمع البديل عندما يصل لمرحلة معينة من الحجم والقوة تحدث عندها المعركة الفاصلة بينه ممثلا لفسطاط الحق و بين المجتمع الفاسد ممثلا لفسطاط الباطل وينتصر فسطاط الحق و يتولى مقاليد الحكم ليطبق مشروعه بعد إستلام السلطة و قد أدت هذه النظرية إلى الدخول فى صراعين الصراع الأول مع السلطة والانظمة الحاكمة لتملك مقاليد السلطة والصراع الثانى مع المجتمع الذى أدى تبنى نظرية القاعدة الصلبة والمجتمع البديل الى دخوله فى حالة من الإستقطاب الشديد بينه وبين الجماعة التى تتبنى هذه القاعدة فالمجتمع ينفر ممن يتمايز عنه بشكل فج خصوصا إن كان هذا التمايز ممتزجا بالتعالى والخطاب الذى يفشل فى ملامسة الحساسية الجماهيرية لأنه موجه فقط لأبناء التنظيم او الجماعة ويمكننا ان نقول ان كارثية تبنى نظرية القاعدة الصلبة تلخصت فى النهاية فى عبارت مثل “أهلى وعشيرتى” و “إحنا شعب وانتوا شعب” و بالتالى فقد فقدت الجماعة فى النهاية ظهير شعبى كبير كان من الممكن ان يمتد ليشمل المجتمع كله ليصبح هذا الظهير الشعبى هو فقط أبناء هذه الجماعة والدوائر المحيطة بهم و بعض المتعاطفين معهم
2. تغول العمل السياسى على جهود الاصلاح: من الاخطاء التى وقعت فيها حركات التغيير السياسى هو تغول العمل السياسى على جهود الاصلاح فتحول الوصول للسلطة و الحكم إلى غاية بعد كانت وسيلة فأصبحت هذه الحركات مجرد تنظيم يسعى إلى الوصول للحكم بأى وسيلة وليست حركة إصلاحية شاملة تهدف إلى اصلاح المجتمع ككل بالعديد من الوسائل من ضمنها التغيير السياسى وهذا كما أشرنا من قبل أحد الفروق الجوهرية بين مدرسة التغيير السياسى ومدرسة التغيير الإجتماعى التى يتبناها الحزب الإجتماعى
3. فشل الرهان على السلطة: راهنت هذه الحركات على ان الوصول للحكم لتطبيق مشروعها و برغم وصولها للحكم إلا ان هذا لم يؤدى إلى التغير المنشود بسبب عدم جاهزية المجتمع وعمق ما فيه المجتمع من مشكلات تحتاج إلى مجهودات كبيرة فى الاصلاح على المستوى الإجتماعى وليس السياسى فقط و هذا ما شهدناه بالفعل فى تجارب الحركات التى تبنت التغيير السياسى فى السودان والصومال وأفغانستان و أخيرا فى مصر حيث أدى وصول الاخوان المسلمون إلى الحكم مع الاخطاء السياسية الفادحة التى وقعت فيها جماعة الاخوان المسلمين إلى فشل رهانهم الإستراتيجى على الوصول للسلطة لنجاح مشروعهم بل إتضح فى النهاية انه ليس هناك مشروع من الأساس بل كان هناك تركيز فقط على الوسيلة وهى الوصول للسلطة و نسيان للغاية وهى المشروع الإصلاحى ولقد توقع أ.هشام مصطفى عبد العزيز رئيس حزب الإصلاح و النهضة هذا الفشل لجماعة الإخوان مبكرا قبل أى بادرة لوصولهم للسلطة فى كتابه “نهضة أمة” عام 2008
4. التمسك بالعمل التنظيمى السرى مع اختلاف الواقع: بالرغم من اختلاف الواقع بعد ثورة 25 يناير و بالرغم من لجوء جماعة الاخوان المسلمون إلى تأسيس حزب سياسى هو حزب الحرية و العدالة وبالرغم من وصول هذا الحزب الى الحكم الا ان الجماعة ظلت تتمسك بفكرة العمل التنظيمى السرى المستمد من فكرة القاعدة الصلبة وأدارت الدولة بفكر رجال التنظيم لا فكر رجال الدولة مما كان أحد الأسباب الرئيسية لفشل التجربة
السؤال الثانى هو: ما الذى تطرحه مدرسة التغيير الإجتماعى متمثلة فى حزب الإصلاح والنهضة كأول حزب إجتماعى كبديل عن مدرسة التغيير السياسى؟
يمكننا ان نضع بعض الملامح الرئيسية لمدرسة التغيير الإجتماعى التى يتبناها حزب الإصلاح و النهضة كأول حزب إجتماعى فى مصر فى عدة نقاط كالتالى:
1. الإنفتاح والتوجه بالإصلاح للمجتمع ككل: لا تسعى مدرسة التغيير الإجتماعى التى يتبناها حزب الإصلاح والنهضة الى تشكيل ما يسمى بالقاعدة الصلبة بل هى تعمل بشكل منفتح على المجتمع ككل ولاترى ان المجتمع المصرى يحتاج تشكيل مجتمع بديل منعزل عن باقى المجتمع فى أقفاص تنظيمية مغلقة بل ترى ان المجتمع ككل به بعض المشاكل التى يمكن معالجتها وإصلاحها فيصبح أى فرد يتم إصلاحه وبنائه كقيادة إجتماعية فعالة نواة لدائرة تغيير إيجابى محيطة به وبالتالى تتشكل كتلة حرجة بقيادة هؤلاء القادة الإجتماعيين قادرة على دفع المجتمع ككل نحو التغيير الإيجابى المنشود
2. التغيير عملية شاملة و ليست سياسية فقط: لا ترى مدرسة التغيير الأجتماعى ان تغيير المجتمع تغيير حقيقيا يمكن ان يتم فقط من خلال التغيير السياسى بالوصول للسلطة بل ترى ان التغيير الحقيقى يأتى من خلال عملية تغيير إجتماعى شاملة وإصلاح جميع جوانب المجتمع بشكل يشمل عالم أفكاره وقيمه وعالم العلاقات بين افراده وعالم مشاريعه الواقعية و بالتالى فالتغيير السياسى ليس هو الوسيلة الحاسمة بل ان تغييرالمجتمع نفسه الذى يعد النظام السياسى احد منتجاته هو الوسيلة الحاسمة فى عملية التغيير
3. الرهان على المجتمع و ليس على السلطة : على العكس من مدرسة التغيير السياسى التى تراهن فى إنجاح مشروعها على الوصول للسلطة لتنفيذ مشروعها فإن مدرسة التغيير الإجتماعى تراهن على التغيير الإجتماعى الذى يهدف إلى إصلاح المجتمع ككل
و يتضح من خلال هذا الطرح لمعالم كل من مدرستى التغيير السياسى والتغيير الاجتماعى أهم الفروق الجوهرية بين جماعة الإخوان المسلمون وحزب الإصلاح و النهضة وما الذى يعنيه حزب الإصلاح والنهضة عندما يصف نفسه بأول حزب إجتماعى فى مصر يتبنى مدرسة التغيير الإجتماعى.