تحديات ما بعد دستور 2014
بقلم: هشام علاء
عضو المكتب السياسي بحزب الإصلاح والنهضة
بعد نتيجة الإستفتاء على مشروع الدستور المعدل والتى أسفرت عن إقرار دستور 2014 والذى يؤسس لواقع سياسى جديد يتطلع المواطن المصرى إلى تحقيق مطالبه الأساسية..العيش والحرية والعدالة الاجتماعية..وهذه المطالب الثلاثة تمثل الحد الأدنى الذى يجب ان يتحقق للمواطن المصرى لكى ينطلق فى بناء تقدم حقيقى ينقل مصر إلى مصاف الدول المتحضرة
و لكن يظل هناك فارق بين ما نحلم به وبين الواقع الملىء بالتحديات التى يجب ان نواجهها ونتغلب عليها وقبل ان نبدأ المواجهة لابد من تحديد اهم هذه التحديات التى يجب التركيز عليها خلال الفترة القادمة لكى نضع أقدامنا على بداية الطريق نحو التغيير المنشود
التحدى الأول يواجه القوى السياسية المختلفة فى ضرورة الإستفادة من الدروس السابقة وتجنب الاخطاء التى ارتكبت طوال الثلاث سنوات السابقة من جميع الأطراف وأبرز هذه الاخطاء هو التوصيف الخاطىء للواقع والعشوائية وعدم وجود خطة محددة او رؤية إستراتيجية للتحرك والتعامل مع الاخر بأسلوب الإقصاء والصراع الصفرى والمجازفة بتهديد كيان الدولة والأمن القومى فى سبيل تحقيق مصالح ذاتية
وأخيرا إنفصال الممارسة السياسية عن مشكلات المواطن الواقعية وإختلاف اولويات القوى السياسية عن اولويات المواطن مما أدى فى النهاية إلى تشوه فكرة السياسة لدى المواطن واعتبارها صراع حول أمور ليس لها علاقة بمشاكله الحقيقية فى حين أن السياسية يجب أن تسفر عن توظيف ادوات القوة وموارد الدولة لحل مشاكل المواطن ورفع مستوى معيشته
لقد أدت كل هذه الاخطاء التى ارتكبتها القوى السياسية المختلفة إلى عزوف المواطن و بالأخص الشباب عن المشاركة السياسية وهو ما تجلى واضحا فى نسبة المشاركة الضئيلة فى الإستفتاء الأخير على الدستور وإختفاء الشباب من أمام صناديق الإقتراع وإذا كنا جميعا حديثى العهد بالممارسة السياسية بعد التحول الذى شهدته الحياة السياسية فى مصر عقب ثورة 25 يناير فحان الوقت الأن لكى تقف كل القوى السياسية وقفة مراجعة وتقييم شاملة وتعد نفسها للدخول فى مرحلة جديدة تستفيد فيها من خبرات الثلاث سنوات السابقة بما يساهم فى إنضاج العملية السياسية فى مصر خلال الفترة القادمة
أما التحدى الثانى فهو يواجه الحكومة ويتمثل بشكل أساسى فى حل إشكالية الإستقرار التى تواجه الدولة المصرية ولكى يتحقق إستقرار أى دولة لابد ان يتوفر عاملين هامين كلا منهما يرتبط بالأخر هما تحقيق الحد الادنى من الإستقرار الإقتصادى والحد الادنى من الإستقرار السياسى و لتحقيق العامل الأول فلابد من إصلاح الوضع الإقتصادى المتردى وتحقيق الحد الأدنى من المعيشة الكريمة للمواطن ووقف حالة الانهيار التى يعانيها منحنى الإقتصاد المصرى و لن يمكن تحقيق ذلك دون الوصول للحد الأدنى من الإستقرار السياسى الذى يوفر بيئة امنة للعمل والانتاج و جذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل
ولن يكون إقرار الدستور الجديد وحده كافيا للوصول للإستقرار السياسى المنشود بل يجب المضى قدما فى إستكمال باقى خطوات خارطة الطريق و إنهاء الفترة الإنتقالية وتسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة والعمل بشكل موازى على إنهاء الازمة السياسية الحالية وإستيعاب كافة الاطراف بلا إستثناء فى العملية السياسية الجديدة دون إقصاء و العودة إلى رفع مستوى الحريات فى الممارسة السياسية مرة أخرى بعد أن شهد أنخفاضا شديدا خلال الستة أشهرالماضية فالحريات السياسية ركن أساسى لن تكتمل من دونه أى عملية سياسية ديمقراطية.
التحدى الثالث يواجه الشعب المصرى كله ويتمثل فى ضرورة التوحد ونبذ الفرقة والإستقطاب والإتجاه للبناء والعمل الإيجابى الذى يحقق فائدة حقيقية للوطن لأننا جميعا نعيش فى وطن واحد ولنا هدف واحد هو رخاء وتقدم هذا الوطن ولن يتحقق هذا الهدف إذا ركزنا على الخلافات وانغمسنا فى صراعات سياسية وهمية بعيدة عن المشاكل الحقيقية التى تواجه المجتمع المصرى ككل فمشاكل كالتعليم والصحة والغلاء وغيرها لا تفرق بين مصرى واخر وفقا لانتمائه السياسى او دينه او نوعه
لقد ضاعت العديد من اللحظات الهامة التى كان من الممكن ان تكون تاريخية طوال الثلاث سنوات السابقة كانت تصلح كل منها لتدشين عقد إجتماعى جديد يؤسس لتغير إيجابى حقيقى فى المجتمع المصرى فدعونا لا نضيع هذه اللحظة والتى برغم كونها لحظة صعبة تتطلب التزاما كبيرا بمصلحة الوطن العليا وترفع عن الاهواء والمصالح الذاتية إلا اننا لا نملك خيارا أخر سوى إغتنامها لتحقيق مصالحة وطنية شاملة تمكننا من العبور بمصر نحو مستقبل أفضل