“الصراع المجتمعي” وشبح “الدولة الفاشلة” الذي يلوح في الأفق
بقلم: عمرو نبيل
عضو المكتب السياسي بحزب الإصلاح والنهضة
منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير المباركة وما واجهتها من عقبات ومعوقات والجميع منشغل بالبعد السياسي وفي بعض الأحيان البعد الاقتصادي للأزمة التي تمر بها مصر والصراع الدائر على أرضها بين مختلف القوى السياسية.
غير أن تحول الصراع السياسي من حالة الاستقطاب إلى حالة الاحتقان ثم إلى حالة الاحتراب والمواجهات العنيفة في شتى ميادين مصر والتي خلفت في الآونة الأخيرة عشرات القتلى ومئات المصابين يستوجب نظرة أعمق لأبعاد الأزمة والصراع. وبالعودة قليلًا للوراء إلى ما قبل 25 يناير عام 2011 والنظر إلى الحالة المصرية يتضح لنا أن الكارثة الحقيقية التي تواجه الوطن هي اجتماعية بالأساس وليست سياسية أو اقتصادية وأن إغفال البعد الاجتماعي للأزمة والصراع وعدم معالجته سيترتب عليه فشل إي تغيير سياسي أو اقتصادي لا يسعى أولًا وقبل أي شيء إلى إحداث تغيير حقيقي وجذري للمجتمع المصري.
فالدولة المصرية قبل 25 يناير كانت من الناحية الاجتماعية منقسمة على نفسها لعدة “دول” داخل الدولة فغياب دور الدولة ووظيفتها تجاه مواطنيها جعلهم يبحثون عن كيانات بديلة تمثل لهم الحاضة الاجتماعية هذه الحاضنة وجدها الإخوان في “الجماعة” والسلفيين في “المشايخ” والأقباط في “الكنيسة” و”الفلول” في شبكة المصالح العميقة والمنتشرة (الحزب الوطني) وأبناء البدو والصعيد والريف في “القبلية” والعائلات.
وترتب على هذا التمزق والانقسام المجتمعي غياب الانتماء والحس الوطني عند كثير من أبناء مصر وما صاحبه من هجرة للعقول والأيدي العاملة وإلقاء شباب مصر بنفسه في عرض البحر متقبلًا خطر الهلاك لأنه أصبح الفرصة الوحيدة أمامه للعيش الكريم التي إن فقدها فلا يبالي بعدها باستمرار الحياة من عدمه.
حتى لاح فجر 25 يناير أمام العيون وعادت روح ودماء الوطنية لتحيي الشعب المصري وتجري في عروقه من جديد وبدأ الشعب في رسم صورة مصر المستقبل غير أن غياب الثقة والفجوة الاجتماعية بين أطياف المجتمع المصري حولت الصراع الساسي بينهم إلى صراع وجودي صفري فتعطلت المسيرة ولم تتحقق أهداف ثورة 25 يناير.
وأصبح كل فصيل يصل للسلطة يسعى أول ما يسعى إلى إقصاء الآخرين بدلًا من محاولة احتوائهم وكما كانت كل أجهزة الدولة في عهد مبارك تعمل لصالح النظام لا الدولة والشعب بدأ كل فصيل في محاولة لاستنساخ ذات المسلك ولكن لصالحه هو متناسيًا أن الثورة قامت بالأساس ضد هذه الأوضاع والممارسات وأن الإقصاء يهدم الديمقراطية من أساسها.
وكانت نتيجة ذلك أن أصبحت الدولة التي شهدت اندلاع أعظم وأرقى ثورات العالم بشهادة الجميع على اعتاب “الفشل” فحل برلمانها وأوقف العمل بدستورها وعزل أول رئيس مدني منتخب لها ولم تنجح محاولات إنقاذ مؤسساتها الأمنية والقضائية والعسكرية والإعلامية من المستنقع السياسي فضلًا عن التدهور المستمر في الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
ونحن في هذه اللحظة المصيرية الفارقة من تاريخ الوطن ندق ناقوس خطر ونؤكد على أن نجاح التحول الديمقراطي لمصر لن يتحقق ألا عندما يعي الجميع عن قناعة تامة شعار ” وطن واحد.. هدف واحد ” ونكرر ما سبق وأن أكدنا عليه مرارًا بأنه لابد من البدء بـ “أرضية وطنية مشتركة” لبناء “العقد الاجتماعي المصري الجديد” وأن تتعاهد كافة القوى والأطياف والفئات على أن “نتعاون فيما اتفقنا عليه ونتحاور فيما اختلفنا فيه” وأننا دائمًا سنتبع “الحوار بديلًا عن الصراع”.