رؤية موضوعية في ظاهرة الإضرابات
من المعلوم بالضرورة من الواقع أن هناك ظواهر فساد كثيرة في مـصر، تحتاج إلى مراجعة وإصلاح جذري وشامل، على جميع الأصعدة والمستويات، سواء منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك.
وقد برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة الإضرابات والاحتجاجات كوسيلة للتعبير عن الرأي، والتأثير على صناع القرار، وممارسة الضغط على النظام من قبل قوى المعارضة للاستجابة لمطالب الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
والذي يعنينا في هذا المقام هو بيان مدى تأثير وسيلة الإضراب في إصلاح الأوضاع في ظل معطيات الظروف الحالية التي تعيش فيها مصر، داخليا وخارجيا.
والناظر إلى واقع الأمر، وإلى تجارب الإضرابات وما قد تؤدي إليه من عصيان مدني أو غير ذلك من الوسائل المدنية في الضغط والاحتجاج ليرى أن هذه الوسائل قد تنجح في إحداث أثر في البيئات ذات البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية القوية، التي قد تتحمل آثارها السلبية، بحيث يجنى المجتمع فقط آثارها الإيجابية دون أن يقع في براثن سلبياتها، أما في البيئات المجتمعية التي تعاني ضعفًا شديدًا في أغلب الأصعدة- كما هو الحال في مصر- فإن الواقع يشهد أن هذه الإضرابات تأتي بعكس المقصود منها، و ذلك لأنها كثيرا ما تستخدم في أغراض حزبية لفئات معينة، وهذه الفئات غالبًا ما تقدم مصالحها الحزبية على مصالح المجتمع ككل، وتتشكل مواقفها وتتنوع بحسب مصالحها هي فقط، حتى ولو تعارضت هذه المصلحة مع مصلحة أمن واستقرار المجتمع، وتوفر المناخ الداعم لعملية الإصلاح ككل.
والواقع يشهد كذلك أن هذه الممارسات وإن كانت ظاهرها سلمية إلا أنها في ظل أوضاعنا المتردية الحالية تؤدي إلى مزيد من الاستقطاب السياسي، وتحول المعارضة إلى صراع سياسي حزبي مرير، لا يجر على البلاد إلا الويلات.
فمن المعلوم أن النظام يمكن أن يتعامل بحسم شديد، في مثل هذه الظروف، شأنه شأن أي نظام يرى ظاهرة قد تهدد أمنه القومي، وليس من المصلحة أبدًا أن يُجر البلد إلى هذه المرحلة، التي لن يجني أشواكها إلا المواطن المـصري المطحون، الذي ستشل مصالحه الاقتصادية والمهنية إلى فترة لا يعلمها إلا الله، فضلا عن تعرضه لمزيد من الكبت وتقييد الحريات، الذي يفرض في ظل تلك الأوضاع الأمنية الطارئة.
وإن أي ظاهرة إصلاحية جادة لابد أن تراعي في حساباتها عدم المساس بأمن واستقرار البلاد، وخطوط أمنه القومي، حتى لا تستنفر القوى المتنفذة إلى عرقلة عملية الإصلاح، وتكون عملية المعارضة والإصلاح بمثابة صب المزيد من الزيت على النار، لتزيدها اشتعالا.
والذي نراه أن ظاهرة الإضرابات التي برزت في الآونة الأخيرة، في ظل تلك الأوضاع المتردية، ليست في مصلحة المجتمع ككل، وليست كذلك في مصلحة عملية الإصلاح، وذلك لأنها كثيرًا ما تستخدم في أغراض حزبية فئوية وصراعات سياسية، هذا فضلا عن إحداثها لحالة من التوتر العام، وفرض الأوضاع الأمنية الطارئة، التي يجنى أثارها المرة المواطن المصري البسيط.
وفي مقابل ذلك فإن على صناع القرار ومن بيدهم مقاليد الأمور في مصر أن يتأملوا في شيوع هذه الظاهرة في الأونة الأخيرة، فإن فيها دلالة على تفاقم الأوضاع إلى درجة خطيرة، يتوجب معها على كل عاقل حريص على مصلحة الوطن أن يبادر بعملية الإصلاح، وأن يفتح الفرصة للحوار المجتمعي الناضج للاستفادة من طاقة الجميع، وأن يتخذ إجراءات إصلاحية جذرية، تطهر أجهزة الدولة من كل فاسد، وتؤدي إلى تحسن ملحوظ في الظروف الحياتية للمواطن المصري البسيط.
وختامًا فإن أي ممارسات إصلاحية جزئية، ذات طابع انفعالي رد فعلي، لا تؤدي إلى إصلاح حقيقي، طالما أنها ليست جزءًا من مشـروع إصلاح نهضوي شامل، يتعامل مع أصل الداء، ولا يتعامل مع أعراضه، ولا يختصر عملية الإصلاح كلها في سطر واحد، ويغض النظر عن بقية الجوانب، فإن أمتنا تحتاج إلى إعادة بناء حضاري شامل، على المستوى الإيماني والأخلاقي والتنموي، حتى تعود من جديد إلى سابق عزها ومجدها، وينعم المواطنون بالأمن والحرية والرخاء.
كتبه: أ.هشام مصطفى عبد العزيز.
تاريخ: 30/4/2008