سلطان الخوف
بقلم: هشام علاء
عضو اللجنة السياسية بحزب الإصلاح والنهضة
أكثر ما يجيد المستبد استخدامه لفرض الإجراءات الاستثنائية وقمع الحريات وتكميم الأفواه المعارضة له بمباركة من مجموع الشعب هو سلطان الخوف، ويتم ترسيخ سلطان الخوف في وجدان الشعب من خلال إيجاد عدو مشترك يساعد المستبد على تبرير كل الإجراءات الاستثنائية بحجة حماية المجموع من هذا العدو المشترك.
يستخدم في ذلك أخطاء هذا العدو المشترك التى تساعد المستبد أكثر كلما برر هذا العدو بها تقديم نفسه كخطر حقيقي على المجموع، وفى هذه الحالة يصبح المستبد هو الخيار الأمثل لمجموع الشعب؛ فهو يوفر الأمن من خطر العدو المشترك، ويوفر الاحتياجات الأساسية، وهذا يكفي في حالة عدم الشعور بالأمان لدى مجموع الشعب، الذى لن يهتم في هذه الحالة بسقف الحريات، وحرية العمل السياسي أو حرية المجتمع المدني أو وسائل الإعلام المعارضة، فكل هذه الاشياء في وقت الخطر القادم من العدو المشترك لا تعد من أولويات مجموع الشعب، بل على العكس، ربما يراها المجموع عقبة في سبيل تحقيق الأمان من خطر العدو المشترك، بل و يطالب مجموع الشعب المستبد بتجاوزها لتحقيق الأمان.
والمستبد يستجيب لهذا الطلب بالفعل، ويقوم بتجاوز كل هذه الأمور، ولكنه يراعي في البداية أن تكون التجاوزات ضد العدو المشترك فقط، ولكن بالتدريج وبعد اعتياد هذه الإجراءات القمعية، وخلق رابط شرطي بينها وبين الشعور بالأمان لدى مجموع الشعب، يتم تعميم هذه الإجراءات على كل المعارضين بلا استثناء، حتى من كانوا يطالبون بهذه الإجراءات ويؤيدون استخدامها ضد العدو المشترك.
وهذا يمكن فهمه أكثر إذا رأينا تتابع احتياجات الإنسان في هرم عالم النفس الشهير “ماسلو”، فاحتياجات الإنسان الأساسية كالأكل والشرب، واحتياجه للأمان يأتى فى قاعدة الهرم، ومقدمة أولويات الإنسان قبل أي شيء آخر، لذلك فإن المستبد دائمًا ما يجعلنا في هاتين الطبقتين السفليتين من هرم “ماسلو” من خلال إشعارنا الدائم بالاحتياج له، لمقاومة خطر العدو المشترك واستمرار الشعور بالأمان.
المشكلة أن هذا الخطر الذي يسعى مجموع الشعب للاحتماء بالمستبد منه سيزول في لحظة ما، ولكن الإجراءات القمعية والاستثنائية لن تزول، وسيتم خلق أعداء وأخطار جدد، ربما تكون من تدبير المستبد نفسه هذه المرة، لاستمرار حالة شعور بالخطر وعدم الأمان لدى مجموع الشعب، لكي يستمروا في احتياجهم له، وقبولهم بالإجراءات القمعية والاستثنائية، حتى تتحول مع الوقت إلى عادة وشيء طبيعى يتعايش معه المواطن ويقبل به كأنه من المسلمات.
والحل لعدم الاستمرار في هذه الدائرة والوقوع الدائم تحت طائلة سلطان الخوف، هو رفع درجة الوعى لدى المجموع بتنوعاته المختلفة، بحيث لا يتمكن المستبد من استعدائهم على بعضهم البعض، واتباع سياسة “فرق تسد”، وفك الارتباط الشرطي لديهم بين الإجراءات القمعية وخفض سقف الحريات، وبين الشعور بالأمان وتنمية قدرتهم على التمييز بين الخطر الحقيقى والخطر الزائف الذي يخلقه المستبد لكي يستطيع به السيطرة على مجموع الشعب.