الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

د/ علي عبد الباسط يكتب: حتى لا نستيقظ على قصة “أسيل” أخرى … حماية أطفالنا منظومة شاملة

بقلم: د/ علي عبد الباسط عضو لجنة الصحة النفسية - أمانة السياسات العامة المركزية

على مدار الأيام الماضية، نستيقظ كل يوم على حادثة مفجعة، تطال أولادنا وبناتنا،  والمؤسف بشكل أكبر حين تكون الخسارة للطرفين إذا كان المعتدي طفل مراهق تضيع حياته بسبب اندفاعية وقلة وعي وتزداد الحادثة إيلامًا حينما ترتبط بأحد عناصر العملية التعليمية والتربوية، فيزداد قلقنا على أطفالنا، حيث تأتي الطعنة من أشخاص كان من المفترض أن يكونوا الملاذ والحماية، وليس مصدرًا للإيذاء والإساءة، ومن هنا لم يعد الحديث عن حماية الطفل من التحرش مقتصرًا على جانب واحد من المشكلة، فالتربية الحديثة أصبحت تقوم على منظومة متكاملة تشمل:

  1. حماية الطفل من الاعتداء،
  2. توعية المراهق بضوابط السلوك السليم،
  3. دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في ترسيخ الوعي دون تهويل أو صدمات.

إن بناء هذه المنظومة ليس رفاهية، بل ضرورة لحماية أطفالنا، وإنشاء جيل يُدرك حرمة الجسد وحدود العلاقات الإنسانية.

أولاً: حماية الطفل من التحرش… الوقاية تبدأ من البيت

تبدأ الحماية من اللحظة الأولى التي يتعلم فيها الطفل أن جسده ملكٌ له، وأن له الحق الكامل في الرفض والابتعاد والإبلاغ عند الشعور بعدم الارتياح. وتؤكد التجارب أن تقديم هذه التوعية ببساطة وهدوء يساعد الطفل على اكتساب الثقة بالنفس، ويجعله قادرًا على التصرف الصحيح عند مواجهة أي موقف مريب.

خطوات عملية مقترحة:

  1. تعليم الطفل أن المناطق الخاصة لا يحق لأحد لمسها سوى الطبيب وبوجود الأهل وتدريبه على التعبير عن عدم الارتياح بشكل واضح.
  2. تعليمه الابتعاد فورًا عن الموقف أو الشخص المزعج دون تردد.
  3. تحديد شخص بالغ موثوق يلجأ إليه الطفل عند الحاجة.
  4. عدم لوم الطفل إذا أبلغ متأخرًا، لأن اللوم قد يمنعه من الإبلاغ مستقبلًا.
  5. ملاحظة أي تغيّر في سلوك الطفل مثل الخوف، الانعزال، اضطرابات النوم أو التوتر المفاجئ.

ثانيًا: توعية المراهق باحترام الحدود … السلوك مسؤولية

يمر المراهق بمرحلة حسّاسة، تمتزج فيها التغيرات الجسدية برغبات طبيعية قد يواجه صعوبة في السيطرة عليها. هنا تصبح التوعية ضرورة لتوجيهه نحو الفهم الصحيح: الرغبة ليست خطأ… لكن السلوك تجاهها مسؤولية شخصية وقانونية

خطوات عملية مقترحة:

  1. التأكيد أن الجسد حق شخصي لا يجوز المساس به دون موافقة واضحة.
  2. شرح أن التحرش — بأشكاله اللفظية والجسدية والإلكترونية — جريمة يعاقب عليها القانون.
  3. تقديم بدائل صحية للتعامل مع التوتر والرغبات: الرياضة، الهوايات، الأعمال التطوعية.
  4. فتح مساحة نقاش آمنة داخل الأسرة بلا خوف أو وصم.
  5. توفير شخص بالغ يثق به المراهق للرجوع إليه عند الحاجة.
  6. ترسيخ أن الرجولة والأنوثة لا تعنيان الاعتداء، بل التحكم في النفس واحترام الآخر.

ثالثًا: المدرسة ومراكز الطفولة… خط الحماية الثاني:

تقضي أغلبية الأطفال والمراهقين معظم وقتهم داخل المؤسسات التعليمية، مما يجعل المدرسة شريكًا رئيسيًا في الحماية. الوعي هنا يجب أن يكون تفاعليًا، مدروسًا، ومتكررًا، ويُدمج ضمن المواد التعليمية والأنشطة القيمية.

خطوات عملية مقترحة:

  1. تنظيم جلسات دورية حول حدود الجسد والسلوك الآمن.
  2. تدريب المعلمين على ملاحظة العلامات المبكرة لعدم الأمان.
  3. إنشاء قنوات آمنة للإبلاغ داخل المدرسة تحترم الخصوصية وتقدم الدعم بحرفية.
  4. التعاون بين المدارس ومراكز الأمومة والطفولة لتقديم ورش توعية مشتركة للأهالي والطلاب.
  5. إدماج الرسائل التربوية ضمن الأنشطة الفنية والمسرحية لتسهيل الفهم وإزالة الحرج.

رابعًا: الإعلام… من عرض الصدمات إلى صناعة الوعي

يملك الإعلام ـ خاصة الرقمي ـ قدرة هائلة على التأثير، لكنه غالبًا يركّز على عرض الحالات المؤلمة والصادمة، وهو أسلوب قد يؤدي إلى الخوف أو التطبيع السلبي بدلًا من الحماية. المطلوب هو تقديم رسائل تربوية هادئة ومتوازنة باستخدام أساليب فنية قريبة من الجمهور.

خطوات عملية مقترحة:

  1. إنتاج حملات بسيطة وواضحة بعيدًا عن المشاهد المؤلمة.
  2. الاستفادة من الشخصيات المحببة للجمهور في التوعية بتلك الحملات.
  3. تقديم محتوى يشرح للمراهقين كيفية الرفض الآمن والتصرف الصحيح.
  4. توفير قنوات إعلامية تخبر الأطفال والمراهقين بمسارات طلب المساعدة.
  5. الاعتماد على الرسوم، الكارتون، والدراما الخفيفة بدلًا من المحتوى الصادم.

خامسًا: القانون والمجتمع… الحزم دون تهويل

يجب أن يعرف الطفل والمراهق معًا أن التحرش — مهما بدا بسيطًا — جريمة، وأن المجتمع لا يقبل الاعتداء بأي صورة. الحزم في الشرح لا يعني التخويف، بل تقديم مفهوم قانوني واضح مع احترام مشاعر الصغار.

خطوات عملية مقترحة:

  1. شرح أن القانون يعاقب على التحرش الجسدي واللفظي والإلكتروني.
  2. توضيح أن السن لا يلغي المسؤولية الأخلاقية أو القانونية.
  3. تعليم الأبناء أن طلب المساعدة قوة وليس ضعفًا.
  4. دعم ثقافة “أبلغ فورًا” سواء كان الطفل ضحية أو شاهدًا.

وختامًا … نحو ثقافة تحمي الجسد وتحترم الإنسان