
د/ بسام شريت يكتب: منعطف مهم في البرلمان: كيف وضع الرئيس السيسي خطًا فاصلًا بين الفوضى والانضباط
بقلم د/ بسام شريت، مرشح حزب الإصلاح والنهضة في الدائرة الأولى، أسيوط
بعد إغلاق التصويت في المرحلة الأولى من انتخابات 2025، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات رصدها مخالفات جوهرية في عدد من الدوائر الفردية. وأشار رئيس الهيئة إلى أن أبرز هذه المخالفات تمثلت في حملات انتخابية مباشرة أمام اللجان رغم الحظر المفروض، وعدم تسليم محاضر الفرز لمرشحين أو ممثليهم في بعض الدوائر، إضافة إلى وجود فروق ملحوظة بين الأرقام المعلنة في بعض اللجان الفرعية وتلك المدرجة لدى اللجان العامة.
وبناءً على هذه الملاحظات، ألغت الهيئة نتائج 19 دائرة انتخابية من أصل 70 دائرة جرت فيها المنافسة الفردية ضمن المرحلة الأولى.
التدخل القضائي: المحكمة الإدارية العليا تغلّب القانون
لم تتوقف التطورات عند حدود قرارات الهيئة. فمع تزايد الطعون المقدمة من مرشحين ومراقبين، دخلت المحكمة الإدارية العليا على خط الأزمة، وبعد مراجعة محاضر الفرز والطعون والاعتراضات، أصدرت أحكامًا إضافية تقضي بإلغاء نتائج الانتخابات في 26 دائرة أخرى.
وبذلك ارتفع عدد الدوائر الملغاة إلى 45 دائرة من أصل 70 دائرة في المرحلة الأولى، وهو ما يمثل نحو 64% من إجمالي الدوائر الفردية في تلك المرحلة، في رقم غير مسبوق من حيث الحجم والدلالة.
دلالة الأرقام: أزمة أم تصحيح مسار؟
إن إلغاء نتائج هذا العدد الكبير من الدوائر يكشف أن العملية الانتخابية لم تسر بنمطها التقليدي، وأن ما ظهر من نتائج أولية لم يكن بالصلابة الكافية. كما يشير حجم الإلغاءات إلى أن التدقيق الذي مورس على العملية كان واسعًا، وعكس وجود إرادة واضحة بعدم تمرير أي نتائج مشوبة أو غير مستقرة.
وجاء هذا الإلغاء على مرحلتين: بداية من الهيئة الوطنية التي ألغت 19 دائرة، ثم المحكمة الإدارية العليا التي ألغت 26 دائرة إضافية. وهذا التدخل المزدوج يعكس أن جهات الدولة الرقابية والقضائية مارست أدوارها في اتجاه واحد، مستندة إلى توجيهات واضحة بضرورة مراجعة الطعون والحوادث بدقة قبل اعتماد النتائج، وهي التوجيهات التي صدرت عن الرئيس عبدالفتاح السيسي في هذا السياق.
بين ضغوط الواقع وضرورة الإصلاح
تشير هذه الإجراءات، بجوانبها القانونية والسياسية، إلى رغبة واضحة في تصحيح المسار الانتخابي وضمان أن البرلمان القادم لا يتشكل بناء على نتائج محل شك أو مثار جدل. ولولا هذه المراجعات الواسعة، كان من الممكن أن تتعزز قناعة لدى المواطنين بأن جزءًا من البرلمان أتى عبر مسار غير منضبط، أو دون التزام كامل بمعايير النزاهة.
لكن إلغاء 45 دائرة، رغم أنه رقم صادم، حمل رسالة واضحة بأن النزاهة لم تعد خيارًا، بل التزامًا معلنًا، وأن الدولة تتحرك بشكل متوازٍ بين الرقابة القانونية والتدخل التنفيذي لحماية إرادة الناخب وضمان استقرار المشهد.
رؤية القيادة تصحّح المسار
لم تعد الرسالة مجرد شعار. فالتوجيهات المباشرة بمراجعة الطعون، والتعامل الجاد مع المخالفات، وإلغاء نتائج هذا العدد الكبير من الدوائر، تؤكد أن الدولة تدخل مرحلة تستهدف فيها إعادة بناء الثقة بين المواطن وصندوق الاقتراع، وأن العبور إلى برلمان قوي وفاعل يبدأ من انتخابات محصّنة وخالية من الشوائب.
إنها رسالة مفادها أن صوت الناخب خط أحمر، وأن إعادة ضبط العملية الانتخابية هو المدخل الحقيقي لتوازن سياسي أوسع وثقة عامة أكثر رسوخًا.