الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

د/ مصطفى كريم يكتب: طعنات وليس طعونًا … لماذا حالة الغضب الشعبي من الانتخابات؟

بقلم د/ مصطفى كريم، مساعد رئيس حزب الإصلاح والنهضة وأمين السياسات العامة

لم يعد المشهد الانتخابي في مصر منافسة بين مرشحين أو تنافس بين برامج، بل تحوّل — للأسف — إلى حالة من الإحباط العام والتساؤلات الصامتة لدى قطاعات واسعة من الشعب:

لماذا لا نجد الوجوه التي تستحق أن تنوب عن المصريين؟

ولماذا تتكرر الأخطاء ذاتها في كل استحقاق، رغم أن السياق العام للدولة المصرية اليوم أكثر استقرارًا ولدى الدولة قدرة اختيار أفضل بكثير مما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات؟

الحقيقة أن الأزمة ليست في “الطعون الانتخابية” بقدر ما هي في الطعنات المعنوية التي يتلقاها المواطن حين يرى نتائج لا تتسق مع حجم الإمكانيات والفرص البشرية المتاحة.

الاختيارات فقيرة … بينما الكفاءات المتاحة

وفقاً لكشوف الناخبين، فإن هناك ما يقارب 68 مليون مصري لهم حق الانتخاب، وبالتالي لهم حق الترشح إن أرادوا، دعونا نقوم بعمليات حسابية تستند إلى افتراضات منطقية:

  • لو اعتبرنا أن 20% فقط من هذا العدد مؤهلون علمياً ومهنياً، إذا نتحدث عن 14 مليون شخص تقريبًا.
  • لو أن نصف ذلك العدد فقط مهتم فعلياً بالشأن العام، ينخفض العدد إلى 7 ملايين شخص.
  • ولنفترض أن 10% فقط من هؤلاء المهتمين بالشأن العام يصلحون كقيادات وطنية مؤهلة، إذا نصل إلى 700 ألف شخص.

لنعود إلى قوائم المرشحين .. نتحدث عن 200 مقعد للشيوخ، و568 للنواب، ولنقل بأنه ليس على من صنعوا الأزمة أن يقدموا مرشحين على كافة المقعد، فقط يحتاجون لترشيح 700 مرشح من 700 ألف مرشح محتمل (1 من كل 1000)، يكفي أن نعلم بأن معدل القبول في الكليات العسكرية ذات الاختبارات الصعبة تصل إلى 1 في المئة وليس 1 في الألف.

الفرص ليست شحيحة … ولكنها غير مستغلة

وبناء على ما سبق، ودعونا نكون صرحاء، فلم تعد شماعة “القماشة المتاحة” مقنعة، لأنه ببساطة خلال السنوات الماضية شهدت مؤسسات الدولة المصرية تدشين وتنفيذ عشرات المبادرات الحكومية لتأهيل الشباب.

لدينا آلاف المتدربين في أكاديمية ناصر للدراسات الأمنية والاستراتيجية، وآلاف أخرى في الأكاديمية الوطنية للتدريب، ومئات الآلاف شاركوا في برامج المحاكاة ونماذج الدولة والتوعية السياسية داخل الوزارات والهيئات الحكومية.

بالإضافة بأنه كان لدينا منصة وطنية محل فخر لكافة القوى الوطنية وهي “الحوار الوطني” … بإجمالي متحدثين في الجلسات أكثر من 3170 متحدث … نحن نتحدث عن كوادر وطنية متخصصة في كافة الملفات، مدرّبة على الأمن القومي، الحوكمة، إدارة الأزمات، وفهم التحديات الداخلية والخارجية.

فكيف تُهدر كل هذه الطاقات؟
وكيف لا نجد انعكاساً لها في كشوف المرشحين أو في خرائط التمثيل الحقيقي للمجتمع؟

الغضب ليس فئويًا أو حزبيًا … بل شعبيًا

يحاول من ساهم في الأزمة الحالية أن يحصر الغضب في كونه حملة مدارة لأغراض فئوية أو حزبية محددة، بينما الغضب الحالي هو غضب شعبي ليس بسبب نتائج الانتخابات فقط… بل بسبب الفجوة بين ما نملك وما نقدّم.

حين يرى المواطن:

  • هذا الكم من الكفاءات المُهملة
  • هذا الكم من الإمكانيات غير المستغلة
  • هذا الكم من الفرص التي لا تُترجم إلى تمثيل حقيقي

يبدأ التساؤل:
هل المشكلة في الشعب؟ أم في طريقة إدارة العملية الانتخابية؟
وهل العجز في الكوادر؟ أم في ضعف معايير الاختيار وتغليب المصالح الضيقة على المصلحة العامة ؟

اعتراف وتشخيص وخطوات إصلاحية

حالة الغضب لن تهدأ بالبيانات الشكلية، ولا بتبريرات “الظروف الحالية”. والدليل إن كل تلك البيانات لم تجدي نفعًا سوى حين كان هناك فعل وإرادة واضحة من أعلى سلطة في الدولة، حين تحدث السيد الرئيس فكانت “منشورًا” على الفايسبوك كفيل بإعادة الأمل للملايين … يتبقى تحويل ما وجه إليه السيد الرئيس إلى أفعال واقعية واضحة تتمثل في الروشتة التالية:

  1. اعتراف واضح بأن الاختيارات لم تكن على مستوى الطموح الوطني.
  2. تشخيص شفاف لأسباب ضعف الانتقاء.
  3. إرادة جادة لفتح المجال لما هو أوسع وأرقى وأشرف من “الترشيحات المعتادة”.
  4. إعادة دمج الكفاءات التي تم تدريبها في السنوات الماضية في الحياة العامة.
  5. إتاحة مسارات حقيقية للمنافسة وليس مجرد مقاعد مغلقة ومسارات محددة سلفاً.

ختامًا … ما نكتبه هو روشتة نطرحها — كقوة إصلاحية — لا تريد تحويل هذا الغضب إلى خصومة، بل إلى طاقة تغيير تستعيد للمجتمع ثقته في مفاهيم العدالة والكفاءة لأن أي إهدار للكفاءات الوطنية الحقيقية سيبقينا دومًا عالقين في دائرة الإحباط الشعبي وضعف الثقة.

الغضب اليوم ليس عابراً…
الغضب هو نتيجة طعنات في فكرة العدالة، وفكرة الكفاءة، وفكرة أن هذا الشعب يستحق الأفضل.