الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

تأملات في الوحدة الوطنية المصرية

بقلم/ علي عبد المطلب نصر
رئيس اللجنة السياسية

مخطئ من يظن أن الوحدة الوطنية المصرية ظاهرة حديثة، أو أنها نشأت بالأساس بين المسلمين والمسيحيين في العصر الحديث أو بعد أن دخل الإسلام إلى مصر، بل الوحدة الوطنية في مصر قديمة قِدَم الأمة المصرية أي أنها منذ آلاف السنين، فقد كان في مصر القديمة الكثير من الأفكار والمعتقدات الدينية ومع ذلك لم تحدث أية صراعات دينية أو طائفية في المجتمع المصري، بل كان المجتمع المصري شديد التماسك، ولذلك اعتبر الدكتور جمال حمدان في كتابه الفريد “شحصية مصر: دراسة في عبقرية المكان” أن الوحدة الوطنية بلا ريب أبرز ملامح المجتمع السياسي في مصر عبر العصور.

وقد كان لنهر لنيل والزراعة دور هام في توحيد المصريين في حياتهم اليومية والاجتماعية وفي تقاليدهم وطقوسهم منذ نشأة الأمة المصرية، وهذا يدخل في صميم جذور الوحدة الوطنية في مصر لأنها تخلق نفسية وعقلية متقاربة وحياة عامة مشتركة، كما أن ضآلة مساحة المعمور المصري، أي المساحة المأهولة بالسكان من إجمالي مساحة الدولة المصرية والتي تقدر بما لا يزيد عن 5%، أدى إلى تسهيل الوحدة الوطنية بما توفر من تجانس بشري وتشابه في طرق الحياة والتفكير وتقارب وتشابك في المصالح.

وقد كان المصري منذ القدم يتصف بالتسامح، فكثيرًا هي الهجرات التي وفدت إلى مصر قبل الميلاد أملًا في العيش في خيرات مصر، فالدولة المصرية كانت دولة غنية بالموارد مليئة بالخيرات بما حباها الله من نهر النيل وانتشار الزراعة – وهذا الذي جعلها عرضة دائمًا للاستعمار والغزو والأطماع الخارجية- فمن جاء إلى مصر مسالمًا يريد العيش في ظل خيراتها، وشرب من ماء النيل اعتبره المصريون مصريًا، وذابت كل هذه الهجرات وانصهرت في الأمة المصرية القوية المتماسكة.

بل إن الأديان السماوية الثلاثة؛ اليهودية والمسيحية والإسلام قد دخلت إلى مصر، واعتنق المصريون هذه الديانات، وتحول كثير من المصريين من اليهودية إلى المسيحية إلى الإسلام بعد ذلك بيسر وسهولة دون صراعات أو نعرات طائفية أو دينية، وعاش المصريون يعتنقون هذه الأديان وغيرها من المعتقدات ولم تشهد مصر عبر التاريخ أية حروب دينية أو طائفية أو عرقية، بل كانت الوحدة الوطنية سمة أصيلة للمجتمع المصري وملمح رئيسي للأمة المصرية عبر العصور.

وتجلت الوحدة الوطنية المصرية في العصر الحديث بين المسلمين والمسيحيين، وكثيرًا ما حاول الاستعمار الأجنبي وأعداء الوطن اللعب على وتر الطائفية والتفرقة بين أبناء الأمة المصرية من المسلمين والمسيحيين، ولكنهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، فحتى أيام الحملات الصليبية وإدعاء هذه الحملات نصرة إخوانهم المسيحيين في الشرق من اضطهاد المسلمين لهم، وقف المسيحيون في مصر مع إخوانهم المسلمين في وجه هذه الحملات ورفضوا التعاون معهم، وكانت الوحدة الوطنية المصرية أثناء الحملات الصليبية مضرب المثل بشهادة المستشرقين أنفسهم.

كما ادعى الاحتلال الإنجليزي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أنه جاء إلى مصر ليحمي الأقلية المسيحية والأقليات الأجنبية من الاضطهاد، فرد عليهم زعماء مصر الوطنيين وعلى رأسهم الزعيم الوطني “مصطفى كامل” “بإن المسلمين والأقباط شعب واحد مرتبط بالوطنية والعادات والأخلاق وأسباب المعاش ولا يمكن التفريق بينهما إلى الأبد”، واستدل مصطفى كامل على عمق الوحدة الوطنية المصرية وأنه لا توجد مشكلة طائفية في مصر، بوقائع حادثة “دنشواي” التي هزت الأمة المصرية في حينها، بأن القضاة المصريين في هذه الحادثة الذين حكموا على إخوانهم المصريين ظلمًا بالإعدام والسجن المشدد إرضاءًا للاحتلال الإنجليزي، وكان جميع القضاة مسيحيين باستثناء مسلم واحد، وجميع المحكوم عليهم من المسلمين، بأن هذا الأمر لم يتكلم فيه أحد وأنه لم تشهد مصر أحداثًا طائفية بعد هذه الأحكام ولا انتقم المسلمون من المسحيين، بل الجميع مصريون بلا تفرقة بينهم وبلا انتقاص من وطنيتهم.

وتجلت الوحدة الوطنية المصرية في أبهى صورها في ثورة 1919 باتحاد عنصري الأمة المصرية وصمودهم ومقاومتهم الباسلة للاحتلال الإنجليزي، ثم جاءت ثورة 25 يناير 2011 حيث كان المصريون مسلمين ومسيحيين في ميدان التحرير لأيام عديدة ولم تحدث بينهم أي مشاحنات، بل كان الشباب المسيحي يقفون متشابكي الأيدي ليكونوا دروعًا بشرية يحمون بها إخوانهم المسلمين وهم يؤدون الصلاة، وقد حاول الإرهاب والجماعات المتطرفة اللعب على وتر الفتنة الطائفية وضرب الوحدة الوطنية المصرية بعد ثورة 30 يونيو 2013 بالإعتداء على الكنائس أثناء الأعياد الدينية المسيحية، ولكن خاب سعيهم في تفريق الأمة المصرية وبث التعصب الطائفي بين أبنائها.

وهكذا فإن مصر القديمة ومصر الحديثة على السواء لم تعرف التعصب الديني أو التفرقة الطائفية، بل الأمة المصرية أمة متجانسة قوية محتفظة بوحدتها منذ نشأتها من سبعة آلاف عام، وستظل كذلك بمشيئة الله، طالما تعلم المصريون تاريخهم وتسلحوا بالوعي تجاه من يحاول النيل من وحدتهم.

وقد وعى حزب الإصلاح والنهضة عمق أواصر الوحدة الوطنية في المجتمع المصري عبر التاريخ، فكان شعاره “وطن واحد .. هدف واحد”، فمصر وطن لكل المصريين، وهدف المصريين واحد أن يرتقوا ببلدهم وأن تعود مصر دولة رائدة لها سبق حضاري كما كانت عبر التاريخ.