الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

الوطنية المصرية ومواجهة التطرف

بقلم/ علي عبد المطلب نصر

رئيس اللجنة السياسية

تحدثنا في المقال السابق “التطرف في مصر وطرق المواجهة” عن أهم المحاور الرئيسية التي يجب على الدولة المصرية والقوى السياسية والمجتمعية أن تتحرك عليها في إطار مواجهتها لظاهرة التطرف، وسوف نركز في هذا المقال على أحد هذه المحاور الهامة ألا وهو إحياء الوطنية المصرية وكيف أن روح الوطنية المصرية تمثل سدًا منيعًا يحمي المجتمع من الفكر المتطرف.

الوطنية المصرية رسم معالمها الزعيم الوطني مصطفى كامل “باعث الحركة الوطنية الحديثة” في أوائل القرن العشرين، وهذه الوطنية المصرية التي نريد إحيائها وترسيخها في المجتمع تقوم على دعامتين أساسيتين، الدعامة الأولى نخبة وطنية والدعامة الثانية مجتمع وطني.

نخبة وطنية تتحلى بفهم عميق للواقع المصري وما يحيط به من تحديات وإشكاليات رئيسية وتدرك أبعاد الأمن القومي المصري، نخبة وطنية تلتحم بالجماهير فتشعر بنبضهم وتكون ممثلة لتطلعاتهم ومعبرة عن آمالهم، تمامًا كما كان مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وطلعت حرب وغيرهم من النخب الوطنية المصرية، نخبة وطنية تعلي المصلحة العليا للبلاد على أي مصلحة حزبية أو شخصية، فليس هناك من انتماء يعلو على الإنتماء للوطن، وليس هناك من مصلحة أرقى وأعلى من مصلحة الوطن، نخبة وطنية لا تسعى إلى هدم الدولة وأيضًا لا ترضى بها على عللها وعيوبها بل تعمل على إصلاحها تدريجيًا، فهى نخبة تريد دولة قوية مستقرة تؤدي وظائفها وتترسخ فيها الممارسة الديمقراطية وتحترم فيها الحقوق والحريات.

أما المجتمع الوطني الذي ننشده فهو مجتمع قائم على الوحدة الوطنية، وهذه سمة أصيلة في المجتمع المصري منذ فجر التاريخ، ويجب هنا أن نؤكد على أن الأقباط من صميم الكيان المصري وكتلة رصينة من جسد الأمة المصرية شديدة التماسك فيه والالتحام به، وقد ظهر ذلك سياسيًا حتى في العصور الوسطى فضلًا عن العصر الحديث، بل إن صلابة الوحدة الوطنية أيام الحملات الصليبية كانت مضرب المثل بشهادة المستشرقين أنفسهم، ومصر الحديثة لم تعرف التعصب الديني أو التفرقة الطائفية وكانت ثورة 1919 نموذج الوحدة الوطنية للشعب المصري.

وكذلك تجلت الوحدة الوطنية للشعب المصرى بكل طوائفه وبكل انتماءاته وبكل قواه الاجتماعية والسياسية فى ثورة 25 يناير، ففى هذة الثورة خرجت جموع المصريين مسلمين ومسيحين من أجل حرية وكرامة المصريين ولعل ما شهدناه من وقوف الشباب القبطى متشابكي الأيدي ليكونوا دروعًا بشرية وطوقًا أمنيًا لحماية إخوانهم المسلمين أثناء تأدية الصلاة موقفًا معبرًا عن الوحدة الوطنية فى أروع صورها، كما كانت ثورة 30 يونيو استكمالًا لهذا المشهد الرائع.

المجتمع الوطني هو مجتمع قائم على المواطنة، والتي تتمثل في العضوية الكاملة والمتساوية بين جميع المواطنين في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة المصريين الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي أو الموقف الفكري، والمواطنة لها طرفان: المواطن والدولة؛ مواطن يشعر بالانتماء ومن ثمَّ فهو ملتزم وفاعل ويساهم في بناء مجتمعه، ودولة تحتضن هذا المواطن وقادرة على الوفاء باستحقاقات المواطنة.

المجتمع الوطني مجتمع متماسك بعيد عن الاستقطاب الحاد الممزق لشمل المجتمع، فالمجتمع الوطني يدرك ضرورة التوحد ونبذ الفرقة والإستقطاب والإتجاه للبناء والعمل الإيجابي الذي يحقق فائدة حقيقية للوطن، لأننا جميعًا نعيش في وطن واحد ولنا هدف واحد؛ هو رخاء وتقدم هذا الوطن ولن يتحقق هذا الهدف إذا ركزنا على الخلافات وانغمسنا في صراعات سياسية وهمية بعيدة كل البعد عن المشاكل الحقيقية التي تواجه المجتمع المصري ككل، فمشاكل كالتعليم والصحة والغلاء والبطالة وغيرها لا تفرق بين مصري وآخر وفقًا لدينه أو انتمائه السياسي أو الفكري.

فنخبة وطنية هذه سماتها ومجتمع وطني هذا أبرز ملامحه يشكلان سدًا منيعًا أمام الفكر المتطرف لتصبح الوطنية المصرية مقبرة حقيقة لهذه الأفكار والتنظيمات الإرهابية المتطرفة.

وأخيرًا كيف نحيي هذه الوطنية المصرية ونرسخها في المجتمع، من الأمور الهامة في هذا السياق هو تسليط الضوء على الرموز الوطنية المصرية والتجارب الوطنية الملهمة، وتاريخ مصر الحديث ملئ بتجارب وطنية ملهمة وبنماذج ورموز وطنية كثيرة كان لها دور كبير في النضال الوطني وتحقيق إنجازات كثيرة في ميادين شتى كمصطفى كامل ومحمد فريد وأحمد لطفي السيد وسعد زغلول وطلعت حرب وغيرهم كثير ولكن للآسف لا يعرف المصريون الكثير عن هذه الرموز.

أيضًا من الوسائل الهامة لإحياء الوطنية المصرية دراسة التاريخ المصري وروعة الحضارة المصرية وعظمة الأمة المصرية وهذا كفيل أن يملئ قلوب المصريين حبًا وعشقًا لهذا الوطن الذي شرفه الله سبحانه وتعالى بذكره في القرآن الكريم، ومن أجمل ما كُتب في هذا الموضوع كتاب “شخصية مصر..دراسة في عبقرية المكان” للأستاذ/ جمال حمدان، هذا بالإضافة إلى ترسيخ ثقافة وقيم المواطنة.

 ونحتاج إلى إبراز كل هذه المعاني السابقة من خلال مناهج التعليم ووسائل الإعلام وأيضًا الوسائل الفنية المختلفة، فالفن له مفعول السحر في نقل وترسيخ مثل هذه المعاني السامية، لتكون الوطنية المصرية حصن منيع أمام الفكر المتطرف الهدام، وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.