الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

التطرف في مصر وطرق المواجهة

بقلم/ علي عبد المطلب نصر

رئيس اللجنة السياسية

تمثل مكافحة التطرف بكل أشكاله وأفكاره أولوية وطنية لمصر في هذه المرحلة الراهنة كخطوة مهمة وضرورية نحو تجفيف منابع الإرهاب، خاصة في ظل تنامي هذه الظاهرة وما شهدته من متغيرات كسرعة وسهولة تجنيد الأفراد وامتلاكها لقدرات مالية وإعلامية كبيرة وقوة عسكرية عابرة للأقطار لها كفاءة قتالية احترافية، كما نرى في تنظيم داعش الإرهابي الذي مزق شمل بعض الدول العربية المجاورة.

ويعتبر الدعم الغربي لإسرائيل ومما تتعرض له القضية الفلسطينية من ظلم دولي فادح، وكذلك غزو الاتحاد السوفيتي السابق لأفغانستان بالإضافة إلى اجتياح الولايات المتحدة للعراق عام 2003، ثم التدخل الدولي الكبير في سوريا وجعلها ساحة لتنافس وتصارع القوى الكبرى، كلها تمثل محطات رئيسية في خلق البيئة المواتية والخصبة لتنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف وتحولها إلى خطر يهدد النظام العالمي.

ويجب أن نؤكد هنا أن التعامل الأمني ظل هو المنهجية السائدة في التعامل مع التطرف والإرهاب سواء من قبل الدولة التي يوجد الإرهاب على أراضيها أو من قبل الدول الكبرى وأثبتت هذه المنهجية فشلها بل إنها كما تقتل بعض الإرهابيين فإنها توفر بيئة حاضنة لانضمام عناصر جديدة إلى هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة، وسوف نركز في هذا المقال على أهم المحاور الرئيسية التي يجب على الدولة المصرية أن تتحرك عليها في إطار مواجهتها لظاهرة التطرف، وهي كما يلي:

  • المواجهة الأمنية للتنظيمات المتطرفة: فهذا محور أساسي للتصدي لمثل هذه الجماعات الإرهابية التي تريد النيل من كيان الدولة وتمزيق المجتمع، خاصة في ظل تنامي القدرات العسكرية واللوجستية والمالية والإعلامية لهذه التنظيمات وإنتقالها إلى مستوى احترافي في ظل وجود دول وأجهزة مخابرات دولية ترعى هذه التنظيمات، كما ينبغي الارتقاء بقدرات وآليات الأجهزة الأمنية لتكون مؤهلة للتصدي لطرق وخطط هذه التنظيمات –بما فيها المواجهة الإلكترونية-، كما ينبغي التأكيد على أن الاقتصار على المعالجة الأمنية والعسكرية لن يجدي نفعًا للقضاء على هذه الظاهرة المعقدة.
  • الاستثمار في المواطن المصري: فالمواطن المصري هو نواة الأمة المصرية، وهو كلمة السر في تقدم ونهضة بلاده، فينبغي على الدولة المصرية أن يكون أبرز وأولى ميادين الاستثمار لديها هو الاستثمار في المواطن المصري برفع مستوى تعليمه وثقافته ووعيه وتنمية مهاراته وملكاته، فببناء المواطن المصري نبني دولة قوية متقدمة، فبناء الأمم يسبق بناء الدول.
  • حل مشاكل الشباب وإشباع احتياجاتهم: فالشباب هم أكثر فئات المجتمع المصري التي يستهدفها الفكر المتطرف لسهولة استقطاب وتجنيد هذه الفئة، خاصة في ظل المشاكل العديدة التي يعاني منها الشباب المصري كتشتت الهوية والبطالة وانتشار الإدمان والتهميش السياسي والمجتمعي، مما يجعل الشباب المصري فريسة لمثل هذه الأفكار المتطرفة، ولذلك يعتبر إعداد الشباب وتمكينه وتلبية احتياجاته قضية أمن قومي، وعلى مؤسسات الدولة والقوى المدنية والمجتمعية أن تتضافر جهودها في ظل استراتيجية قومية شاملة لتحقيق هذا الأمر.
  • تجديد الخطاب الديني: ونقصد بذلك أن يتم تحويل الخطاب الديني من حديث دائم حول المعتقدات والشعائر التعبدية فقط إلى اعتبار الدين وقيمه السامية قوة دافعة في تغيير مسار المجتمع والارتقاء به وغرس قيم التسامح والتعددية والمواطنة والوحدة والعدل في المجتمع، وكذلك أن يركز الخطاب الديني على المستجدات والتحديات التي تواجه الأمة المصرية لا أن نُسقط أفكار الماضي على مشاكل العصر، فالتراث الإسلامي ليس معصومًا كما أن التخلي عنه بالكلية يمثل إهدارًا لهوية الأمة وتاريخها، فالتجديد هنا ليس تجديدًا لقواعد الدين ومبادئه ولكنه تجديد فى الفكر، فالفكر يتغير والحياة تتجدد وتتطور، ويعلب الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف دورًا محوريًا في هذا الجانب الهام لمواجهة الفكر المتطرف.
  • إحياء الوطنية المصرية: التي نشأت قائمة على المواطنة والأخلاق والحب الصادق والعميق لهذا الوطن وكانت نابعة من حضارة مصر وقيمها الأصلية وثقافتها وعاداتها وتقاليدها، ليس معنى ذلك أنها كانت منغلقة على نفسها بل كانت منفتحة على علوم ومعارف الغرب تستفيد منها دون أن تذوب في الثقافة الغربية بل كان لها طابعها ورونقها المصري الأصيل
    أنشأت الوطنية المصرية –التي كان من أبرز أعلامها مصطفى كامل باشا- مجتمعًا يقوم على التسامح، والتسامح الديني تحديدًا شئ ثابت في المجتمع المصري، فمصر لم تعرف التعصب الديني ولا الحروب الدينية في تاريخها أو حتى على المستوى العرقي أو القبلي.
  • ترسيخ ثقافة المواطنة: فمصر عبر تاريخها لم تعرف حروبًا وصراعات دينية أو طائفية أو عرقية، بل هي أمة متجانسة منفتحة على غيرها من الأمم تتسم بالتسامح وقبول الآخر، فترسيخ قيمة المواطنة بصورة عملية في المجتمع؛ أن جميع المصريين سواسية بغض النظر عن ديانتهم أو جنسهم أو لونهم أو توجههم السياسي أو الفكري، يعزز الانتماء لهذا الوطن في نفوسهم، ويقوي الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع.
  • التكامل الدولي لمواجهة التطرف والإرهاب: فمواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة يتطلب تضافر جهود القوى الدولية التي تعاني من أضرارها – ومصر تقوم بدور فعال في هذا الإطار لتنسيق الجهود الدولية لمواجهة هذه الظاهرة-، وهنا تأتي أهمية مراجعة المنهجية التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع ظاهرة الإرهاب والتي تعتمد بصورة كلية على الأداة الأمنية والعسكرية فقط، لأن هذا الأداة لا تفيد في معالجة العوامل المؤدية والمغذية للإرهاب والتطرف، وإنما لابد من إصلاحات اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية تجفف منابع التطرف وتقضي على البيئة الحاضنة له، ولابد أيضًا من وضع استراتيجية مواجهة موحدة تعتمد على خطط طويلة المدى متدرجة بشكل زمني.

هذه أبرز المحاور التي على الدولة المصرية أن تتحرك عليها لمواجهة التطرف، وتتضافر معها جهود القوى المدنية والمجتمعية والمجتمع المصري ككل في ظل استراتيجية وطنية شاملة تجمع كل هذه المحاور السابقة للقضاء على هذا العدو الخسيس الذي يهدف إلى هدم الدولة المصرية وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وسوف نتناول في مقالات قادمة بمشيئة الله بعضًا من هذه المحاور السابقة بصورة تفصيلية، وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.