الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

مصطفى كامل .. تجربة وطنية ملهمة

بقلم/ علي عبد المطلب نصر
رئيس اللجنة السياسية

لا يتسنى الحديث عن الوطنية المصرية في العصر الحديث بعيدًا عن الزعيم الوطني مصطفى كامل “باعث الحركة الوطنية الحديثة” والذي ظهر في فترة استحوذ فيها اليأس والقنوط على نفوس المصريين إثر إخفاق الثورة العرابية واحتلال الإنجليز لمصر عام 1882، ولكن كانت وطنية مصطفى كامل أقوى من العوامل المثبطة، وكانت الثماني عشرة سنة التي قضاها في العمل الوطني هي أساس الوطنية المصرية الحديثة.

ولن نتطرق في هذا المقال إلى تجربة الزعيم الوطني مصطفى كامل بالتفصيل وإنما سنقف على الملامح الرئيسية التي تميز حركته الوطنية التي مثلت أساس الوطنية المصرية في العصر الحديث، وأبرز هذه الملامح والسمات ما يلي:

  1. الدراسة المتعمقة للواقع المصري: فقد عاد مصطفى كامل من باريس سنة 1894 بعد حصوله على شهادة الحقوق ومعه صندوقين كبيرين مملوءين بالكتب القديمة والحديثة في تاريخ المسألة المصرية وسياسة الأمم، وفيهما مذكرات بعضها لكبار السياسيين وبعضها من مكتبة باريس وبعضها من وزارة الخارجية الفرنسية وكان لا يفتأ يدرس هذه الكتب والمذكرات التي أحضرها معه، وقام سنة 1895 بنشر رسالة باللغة الفرنسية عن أخطار الاحتلال البريطاني على حقوق مصر خاصة وعلى المصالح الأوروبية عامة، وقد وجه فيها الخطاب للرأي العام الأوروبي ليكسب تأيدده للقضية المصرية وبعث هذه الرسالة إلى جميع رجال السياسة والصحف الشهيرة في أوروبا، فكان لها دويّ كبير، وكانت الرسالة تتضمن شرحًا وافيًا للمسألة المصرية وتدل على واسع اطلاعه على تاريخها ودقائقها وبعد نظره السياسي.
  2. تثقيف وتهيئة الرأي العام المصري: فلقد كانت أحد المحاور الرئيسية التي يتحرك عليها مصطفى كامل هي نشر العلوم والمعارف بين المصريين والتشهير بأخطاء الاحتلال الإنجليزي لترقى العقول وتقترب الأمة من الوطن حتى تلتف حوله بل تصير وإياه جسدًا واحدًا، كما أنه قام بتأسيس جريدة اللواء التي كان يغذي بها عقول ونفوس قراءه، وصارت الجريدة شبه مدرسة تعلم المصريين حقوقهم وواجباتهم وتبث فيهم روح الوطنية والأخلاق.
  3. الأخلاق أساس الوطنية الصادقة: فالصدق والإخلاص وقوة العزيمة والصراحة والشهامة وعلو النفس، كل هذه الأخلاق التي تميز بها مصطفى كامل كانت خير أساس لوطنيته وكانت عدته في أداء رسالته الوطنية، بل إن مصطفى كامل أخرج سنة 1893 رواية “فتح الأندلس” ضمنها حوادث فتح العرب للأندلس، وأظهر فيها فضل الصدق والأمانة والثبات وقوة العزم والإرادة وهي الصفات التي كانت أكبر عضد للفتح العربي، وقصد بذلك تربية الأمة المصرية على الفضائل الوطنية.
  4. الاهتمام بنشر التعليم القومي: فقد اتجه مصطفى كامل منذ عام 1899 إلى حث الأمة المصرية على نشر التعليم القومي في أرجاء البلاد وكان نموذجه في ذلك المعاهد والمدارس التي تأسست في مصر في عهد محمد علي وكان لها الفضل في نهضة مصر العلمية، وحث أعيان وأغنياء البلاد على إقامة صروح العلوم والمعارف في البلاد، بل أنشأ بعض الشباب مدرسة أسمياها مصطفى كامل، وتولى مصطفى كامل إدراتها والقيام بأعبائها المالية والإدارية منذ مارس 1899، وكان حريصًا على بيان أن التعليم في هذه المدرسة مقرون بالتربية، وأي تربية أساسها الدين وكل أمة يتربى أبناؤها على غير قواعد الدين تكون عرضة للدمار والانحطاط.
  5. التأكيد على الوحدة الوطنية: فمصطفى كامل جعل لواء الوطنية يضم المسلمين والأقباط على السواء، وكان أكبر أنصاره من خيرة الوطنيين الأقباط كالأستاذ ويصا واصف ومرقص حنا باشا، وكان في خطبه ومقالاته يدعو إلى ارتباط المسلمين والأقباط في الجهاد الوطني، ويؤكد أن الرجل الوطني لا يدعو للشقاق والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد من المسلمين والأقباط، حتى شهد له الكثيرون أنه موجد الوحدة الوطنية.
  6. الارتباط الوثيق بين الدين والوطنية وعدم تعارضهما: فكان مصطفى كامل يؤكد أن بعض الناس يظنون أن الدين ينافي الوطنية أو أن الدعوة إلى الدين ليست من الوطنية في شئ، ولكن الصحيح أن الدين والوطنية توأمان متلازمان وأن الرجل الذي يتمكن الدين من فؤاده يحب وطنه حبًا صادقًا ويفديه بروحه وما تملك يداه، كما كان يركز في مقالاته وخطبه دائمًا على إحياء الشعور الوطني وغرس روح الوطنية في النفوس وأنها الأساس المتين الذي تبنى عليه الدول القوية.
  7. الانفتاح على الغرب وتعلم ثقافته دون الذوبان فيه: فلقد حصل مصطفى كامل على نصيب وافر من الثقافة الغربية أتاح له وهو شاب أن يخطب لساعات باللغة الفرنسية ويكتب الافتتاحيات في أمهات الصحف الفرنسية، فكان ملمًا إلمامًا كبيرًا بالثقافة الغربية دون الذوبان فيها ولسان حاله يقول لأبلغن بوطني ما بلغته هذه البلاد من رفعة وعلو شأن، وكان فخورًا بمصريته ومن أكبر المناضلين عن الإسلام، وكان يقول إن الوطنية تظهر فيما يعانيه الوطن من الشدائد لا في الرخاء.
  8. العمل المؤسسي: وذلك من خلال تأسيسه للحزب الوطني ليتم التعاون بين جميع المخلصين المؤمنين بالوطنية والاستقلال في عمل مؤسسي فتكون خدمتهم لبلادهم أجل وأكبر وعملهم أفيد وأعظم، وأكد مصطفى كامل في خطبة تأسيس الحزب أن الأمم لا تنهض إلا بنفسها ولاتسترد إستقلالها إلا بمجهوداتها، وكان الحزب الوطني ممثلًا لجميع طبقات الأمة المصرية في ذلك الوقت.

فالوطنية المصرية في العصر الحديث نشأت قائمة على المواطنة والأخلاق والاستثمار في المواطن المصري بتعليمه ورفع وعيه وثقافته فهو كلمة السر في تقدم ونهضة بلاده.

الوطنية المصرية في العصر الحديث كانت نابعة من حضارة مصر وقيمها الأصلية وثقافتها وعاداتها وتقاليدها، ليس معنى ذلك أنها كانت منغلقة على نفسها بل كانت منفتحة على علوم ومعارف الغرب تستفيد منها دون أن تذوب في الثقافة الغربية بل كان لها طابعها ورونقها المصري الأصيل، وهذه هي الوطنية المصرية التي نتمنى إحيائها من جديد.