الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

“ثورة الغضب الثانية” .. ثورة من؟ وضد من؟

تشهد مصر في الأونة الأخيرة جدلًا واسعًا حول ثورة الغضب الثانية والمقرر لها يوم الجمعة المقبل الموافق 27 من الشهر الجاري، تمثل هذا الجدل في حالة واسعة من الاستقطاب السياسي ما بين مؤيد ومعارض لهذا التوجه.

وقبل أن نذكر الآراء المختلفة لابد أولًا من معرفة مطالب الداعيين إلى ثورة الغضب تلك، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، وتتلخص هذه المطالب ـ كما تم الإعلان عنها على صفحة ثورة الغضب الثانية على موقع فايس بوك ـ فيما يلي:

  1. مجلس رئاسى مدنى لتنفيذ أهداف الثورة كاملة مع جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد يكفل ضمان الحريات طبقا لميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (لم يتم تحديد أسماء أعضاء كل من المجلس والجمعية).
  2. تطهير الشرطة من قيادات الفساد وإعادة الأمن والأمان لمصرنا الحبيبة
  3. تطهير القضاء، لضمان تطبيق العدالة الناجزة
  4. تطهير المحليات وانتخاب المحافظين (للتخلص من فساد النظام السابق)
  5. تطهير الإعلام بكل وسائله، فلا تقدم ولا حريات فى بلد يرأس إعلامه فاسدين
  6. الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين من يوم 25 يناير وما قبلها والإفراج عن ضباط 8 أبريل الأحرار.
  7. محاكمة كل الفاسدين والمفسدين وعلى رأسهم المخلوع مبارك
  8. استرجاع كل أموال الشعب المنهوبة، ومحاكمة كل من شارك أوساهم أو تواطأ فى نهب ثروات البلاد، وفي حالة التراخي تقوم المحكمة الثورية بالإعدام شنقا في الميدان بلا رحمة عبرة لمن يعتبر.

حالة من الانقسام الحاد:

وإثر هذه الدعوة تباينت وجهات النظر واختلفت الآراء، بين مؤيد ومعارض، حيث يرى ائتلاف شباب الثورة ضرورة المشاركة، يقول خالد تليمة، عضو المجلس التنفيذى لائتلاف شباب الثورة لـ”اليوم السابع” بتاريخ 25 من الشهر الجاري: “لا يجب الانتظار حتى يأتى برلمان منتخب لوضع الدستور، لأن الدستور ثابت والأغلبية متغير”!

ويتشارك مع الائتلاف كل من “حركة 6 إبريل”، و”الجبهة الحرة للتغيير السلمي”، و”اتحاد شباب الثورة” وتنضم لهم أحزاب المعارضة القائمة مثل حزب التجمع والحزب الناصري، بينما وافق حزب الوفد على مبدأ “الثورة” ولكنه لن يشارك بصورة فعالة لاعتبارات داخلية تتعلق بانتخابات الهيئة العليا للحزب، والمقرر عقدها يوم الجمعة المقبل!

بينما سجلت مجموعة من الأحزاب والتيارات الأخرى اعتراضها على ثورة الغضب الثانية، حيث رأت جماعة الإخوان المسلمين أن الدعوة تمثل انقلابًا على الثورة وعلى الديمقراطية التى ارتضاها الجميع، مشيرة إلى أن السيناريو الذى وضعه المجلس العسكرى بالتشاور مع القوى السياسية المختلفة والرموز الوطنية هو الأنسب للمرحلة الحالية، وعلى نفس المنوال رفضت أحزاب الوسط، وحزب النهضة تحت التأسيس هذه الثورة.

كما وصف الدكتور طارق زيدان رئيس اللجنة التنسيقية لائتلاف الثورة جمعة الغضب الثانية بأنها خطر على مصر، وصرح بأن 12 من الأحزاب والتيارات والائتلافات سوف تقاطعها، من بينها جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والشبان المسلمين وائتلاف ثورة مصر والوعي المصري والعاملين بالدولة وائتلاف ثوار مصر وحزب السلام الديمقراطي وحزب شباب التحرير وجمعية محبي مصر.

وقفة للتأمل:

والمتأمل في هذا الانقسام الحاد يرى أنه يذكرنا بنفس الانقسام الحادث حال الاستفتاء على التعديلات الدستورية السابقة في مارس 2011، حيث يغلب على النقاش والجدال الدائر نبرة الخلافات الإيدولوجية الفكرية المجردة دون معالجة عقلانية وموضوعية وواقعية لبنود المطالب التي يريدها الداعون للمظاهرات القادمة.

ولذا لابد من الوقوف على تلك البنود وتوضيح رأي “حزب الإصلاح والنهضة” ورؤيته لتلك المطالب، وذلك من خلال ما يلي:

  1. يوافق الحزب على مبدأ التظاهر السلمي لإبداء الرأي، ويرى أن مطالب “ثورة الغضب الثانية” مشروعة فيما يتعلق ببنود تطهير الشرطة والقضاء والمحليات وانتخاب المحافظين وتطهير الإعلام ومحاكمة الفاسدين والإفراج عن المعتقلين السياسيين واسترجاع الأموال المنهوبة، وهي أمور لا يختلف عليها اثنين من شرفاء هذا الوطن.
  2. أما فيما يتعلق بمسألة المجلس الرئاسي المدني الذي سيحل محل المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد، فهو اسم براق لاشك حيث يعطي الانطباع بمدنية الدولة وتخلصها من الإرث العسكري الذي أهلكها خلال الرؤساء الثلاث السابقين، ولكن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقولون، حيث تثار مجموعة من الأسئلة تحتاج إلى جواب:

أ‌.     كيف سيشكل هذا المجلس؟ هل بالانتخاب أم التعيين؟ إن كان بالتعيين، فهو ردة إلى الوراء ولن يختلف عن المجلس العسكري الذي يتهمه بعض القائلين بالمجلس الرئاسي المدني بأنه معين عن طريق الرئيس المخلوع، بل هناك مشكلة أعقد يبرزها الدكتور معتز بالله عبد الفتاح في مقاله بعنوان (لا) بجريدة الشروق يوم 22 مايو 2011 حيث يقول: (أنا لا أعرف خمسة من «النخبة» المصرية لهم تاريخ فى أن يتعاونوا معًا فى إدارة حزب أو جبهة أو جماعة، ما بالك بإدارة بلد إلا إذا كنا سنأتى بزعيم وبعض أنصاره)، بمعنى أن التعيين استبدال ديكتاتورية بديكتاتورية أخرى، فما فائدة الثورة؟! ووداعًا لدماء الشهداء.

ب‌. أما إن كان بالانتخاب، فكيف يعترض الداعون إلى هذا المجلس المدني على إجراء الانتخابات في موعدها، متعللين بأنها لن تكون معبرة، فلماذا ستكون ذات فائدة عند الحديث عن المجلس الرئاسي بينما ستكون غير معبرة في حالة الانتخابات البرلمانية؟! وما هي شروط الترشح لشغل منصب في هذا المجلس؟ وإن كان هناك تخوف من وصول فلول الحزب الوطني إلى مجلس الشعب عبر الانتخابات البرلمانية القادمة، فكيف إن نجحوا للوصول إلى المجلس الرئاسي؟!

ت‌. لا يستطيع أحد أن يغفل دور المجلس العسكري في حماية الثورة بحياده الإيجابي، ثم بمساندته للثوار، حتى وإن كان البعض يرى تباطؤًا من المجلس العسكري، إلا أنه لا ينبغي إغفال دوره هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن المعادلة السياسية في مصر ليست محصورة فيما بين القوى السياسية والوطنية المختلفة، ولكن المجلس العسكري يمثل رقمًا أساسيًا في هذه المعادلة السياسية.

  1. أما فيما يتعلق بمسألة تشكيل اللجنة التأسيسية التي ينوط بها وضع دستور جديد للبلاد، فهنا تزداد علامات الاستفهام، حيث تتحقق نفس المخاوف فيما يتعلق بتشكيل تلك اللجنة ما بين الانتخاب ـ المستحيل عمليًا حيث لا آلية لانتخاب 100 عضو ـ أو التعيين ـ الذي يعيدنا إلى العهد البائد ـ، هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى وهي الأشد خطورة فتكمن في الاستهانة بصناديق الانتخابات، فببساطة ما فائدة الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي جرى في مارس من العام الجاري؟ هل أغلبية الشعب المصري(77.8%) الذين قالوا نعم ليس لكلامهم قيمة في ظل ديمقراطية نريد أن ننشأها جميعًا في مصر؟! هل الديمقراطية المنشودة في مصر لا تعترف بصناديق الانتخابات؟! فبماذا تعترف إذًا؟

ومن هنا يرى حزب الإصلاح والنهضة مشروعية البنود المختلفة إلا ما يتعلق بالمجلس الرئاسي المدني لاعتبارات تجمع بين خطأ واضح فيما يتعلق بتقدير قوة الأطراف اللاعبة في المشهد السياسي المصري من جهة واعتبارات إجرائية تتعلق باختيار أفراد المجلس الرئاسي من جهة ثانية، إلى جانب اعتراضه على مطلب تشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد في استهانة واضحة بالشعب الذي يمثل مصدر السلطات في الدول الديمقراطية.

كتبه: د. مصطفى كريم