الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

بين الصورة الكلية والصورة الجزئية

منذ حصول الإسلاميين على الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى وما حدث من مهزلة التحالف الديموقراطي من إقصاء للقوى الأخرى غير الإخوان وحزب الإصلاح والنهضة يرى أن الإخوان والسلفيين بهذه الاندفاعية والسعي الحثيث للتصدر للمشهد يخاطرون بالمشروع الإسلامي كله وكان موقفنا وقتها هو تحذير الأستاذ هشام لحزب الحرية والعدالة وحزب النور من هذا الأمر وتحميلهم المسئولية كاملة عن ذلك.

وتتابعت الأيام ورأينا أن حكم الإخوان كان حكمًا فاشلًا رسخ للاستقطاب المجتمعي سواء عن عمد منهم أو عن غير عمد، وجوهر الفشل كان في عدم التعاطي بصورة صحيحة مع المؤامرات التي كانت تحاك لهم على حد قولهم، فأيًّا كان السبب فالنتيجة في النهاية أنهم تولوا أمرًا غير قادرين على تحقيق أدنى متطلباته، ووعدوا الناس وعودا ولم يحققوها، وسواء كانوا هم السبب أم غيرهم فالمسئول أولًا وأخيرًا هم وليس أحد غيرهم لأنهم في موقع المسئولية.

ووصل الأمر في النهاية إلى طريق مسدود بين الإخوان والمعارضة وكان لابد من تدخل طرف ثالث لضبط المسار السياسي، ولم يكن هناك غير الجيش يمكنه أداء تلك الوظيفة لحماية الأمن القومي، خاصة بعد ظهور العديد من النذر الشؤم من إمكانية حدوث اقتتال مجتمعي، وصراعات سياسية انقلبت إلى طائفية، وإطلال شبح الحرب الأهلية في الأفق، وقد ثمنا هذا التدخل في تصريح رسمي قبل 3 يوليو، مع تحفظنا على ضرورة الحفاظ على المسار السياسي الديموقراطي وعدم تدخل العسكر في الحياة السياسية مرة أخرى.

والمتابع لتصريحات وبيانات الحزب سيدرك بالطبع أننا لم نشارك كحزب بصورة رسمية في 30 يونيو، مع اعتقادنا أن الجماهير التي نزلت لم تكن فقط من المأجورين و البلطجية وفلول النظام السابق كما تم الترويج لهذا، وإنما كان الكثير منهم من المواطنين العاديين والقوى الوطنية المختلفة، التي شعرت أن الإخوان لم تحقق مطالبها ولم تفي بما وعدت به.

أما السبب في عدم مشاركتنا هو أننا رأينا في المظاهرات ترسيخ الانقسام المجتمعي والاستقطاب بشكل واضح، ومنذ نشأة الحزبةتخة نؤمن بمبدأ من أهم المبادئ وهو السعي لبناء عقد اجتماعي جديد والرفض التام للاستقطاب، فلم نشارك في 30 يونيو ولم نشارك قبلها أيضًا في 28 يونيو في الجمعة التي دعت إليها القوى الإسلامية.

وجاء بعدها الاعتصام في رابعة وكان موقفنا دومًا من أي مظاهرات أن من حق الجميع التظاهر السلمي بدون تعطيل لمصالح الناس أو تخريب الممتلكات أو سفك الدماء أو ترسيخ الاستقطاب الديني أو المجتمعي.

وبناء على هذه الرؤية المتكاملة كان من الطبيعي أن نعلن توجسنا من صيغة البيان الذي ألقاه الفريق السيسي في 3 يوليو مع تأكيدنا على ضرورة عودة الجيش إلى ثكناته ومغادرة الحياة السياسية.

وكان من الطبيعي أيضًا أن نستنكر غلق القنوات والاعتقالات التعسفية وكل مظاهر تقييد الحريات من عودة لقانون الطوارئ وغيرها من الحوادث التي حدثت بعد ذلك.

وكان من الطبيعي كذلك أن ننكر فض اعتصام رابعة والنهضة بالقوة، ومن قبلها مجزرة الحرس الجمهوري، وعجز الحكومة والقوى السياسية المختلفة التي أمسكت مقاليد الحكم بعد 3 يوليو من إيجاد حلول سياسية بدلًا من الحلول الأمنية، التي سأمنا منها طوال مدة حكم مبارك.

وكن من الطبيعي أيضًا أن نستنكر العمليات الإرهابية التي تستهدف جنود الجيش والشرطة في سيناء وغيرها، على الرغم من اعترافنا بالتقصير الحكومي الرهيب في حق سيناء منذ أيام مبارك مرورًا بمرسي إلى الآن، وإيمان منا أن الحلول الأمنية هنا لن تجدي شيئًا، وإنما هي بمثابة قص للأفرع وليس نزع لجذور شجرة الإرهاب والتطرف هناك.

وكون البعض لا يرى أن مواقف الحزب واضحة وصريحة فهذا رأيه الذي لابد من احترامه، ولكني أراها واضحة وصريحة، وكون البعض الآخر يرى أن مواقف الحزب تدعم الإخوان والبعض الثالث يراها تدعم تارة الجيش فهذه آراء أيضًا ولكنها تحتاج من أصحابها إلى وقفة تأمل وإعادة نظر، فمواقف الحزب منذ نشأته وحتى الآن متسقة مع رؤيته الكلية التي يسعى لتحقيقها سواء كانت تلك الرؤية تعجب البعض أو لا تعجبه، ولكنها في النهاية رؤيتنا ومواقفنا التي نراها الأسلم والأنفع للوطن في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها.

إننا لسنا حزبًا موقفيًّا يتبع سياسة رد الفعل ويمكنك تصنيفه بموقف هنا ثم يتغير هذا التصنيف بعدها بموقف آخر هناك، وإنما لا بد من تتبع نسق البيانات والتصريحات لتكون صورة شاملة عن تلك المواقف المنبثقة من رؤية الحزب كحزب وطني اجتماعي محافظ هدفه الأول تقوية المجتمع وبناء أركانه للواقع المصري بتعقيداته والتي أراها والله أعلم، من أنضج الصور التي طرحت في تلك الفترة ولم تستجب لحمى الاستقطاب التي انتشرت في طول البلاد وعرضها ودفعت الكثير للانضمام لأحد المعسكرين دون الآخر، ثم شيطنة كل معسكر للآخر وكل له دوافعه وكل له مبرراته، والكل يرى أنه على الحق وأن الحق واضح وصريح.

وفي النهاية هذه اجتهاداتنا السياسية المبنية على رؤية وتصور استراتيجي وليست مجرد ردود أفعال، هذه الاجتهادات وتلك الرؤية يقبلها من يقبلها ويعترض عليها من يعترض عليها، ونحترم الجميع لأن السياسة في وجهة نظرنا قائمة على التنافس وليس الصراع، ولكن يقيني أنها لم ولن تكون أبدًا بإذن الله مواقف هوائية ولا مصلحية نقدم فيها مصلحة الحزب على الوطن مهما كان.

وتبقى قضية أخيرة وهي أن قصر الحق أو الصواب على رأي معين أو حصر الحق والباطل بين فريقين لا وسط بينهما أمر قد يصلح في بعض الأمور الشرعية الدينية، ولكنه يحتاج إلى إعادة نظر في الأمور السياسية؛ لأن السياسة بها من المرونة والسعة ما يفتح المجال للعديد من الآراء والاجتهادات والألوان المختلفة، مع مراعاتك للقيم الاجتماعية والدينية والثقافية في المجتمع، وعلى الرغم من ذلك فقد تبدو للبعض تلك الألوان خاصة أصحاب التخصصات الشرعية فقط تميعًا وحيدة عن الحق، وهذا رأيهم والحق والصواب يعلمه الله وما دورنا نحن البشر إلا الاجتهاد والسعي الحثيث للوصول للصواب مع طلب الإعانة والتوفيق من الله