الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

ثورة الشباب وسيناريوهات المستقبل

كتبه: أ.هشام مصطفى عبد العزيز.

نقلًا عن موقع المستشار، بتاريخ: 9/2/2011

تبدو المعضلة الحالية في المشهد السياسي المصري في إصرار النظام على عدم تنحي الرئيس مبارك عن الحكم رغم تلك الرغبة الجارفة من الملايين الثائرة في رحيله كخطوة رئيسة على طريق الإصلاح، ويرون أنه بدونها يصبح أي تفاوض بين القوى السياسية وبين النظام غير مقبول من جموع الثورة.

التفسير السهل:

ويبدو التفسير السهل الذي يردده الكثيرون لهذه المشكلة في إطار سيناريو  محاولات النظام المصري للمراوغة من أجل الالتفاف على مطالب ثورة الشباب، والاكتفاء بإجراء إصلاحات جزئية لا ترقى في النهاية إلى تحقيق المطالب المشروعة للجموع الشعبية الثائرة، بحيث تصب في النهاية في تغيير الوجوه لا تغيير النظام برمته، لكي يبقى الحزب الوطني في ثوبه الجديد ممسكًا بزمام الأمور في مصر.

لكن هذا التفسير في الحقيقة قد أصبح غير وارد في المرحلة الحالية، فالواقع أن عقلاء النظام المصري والممسكين حاليا بزمام الأمور متمثلين في فريق النائب عمر سليمان وما يمثله من مؤسسة الأمن القومي، ثم رئيس الوزراء أحمد شفيق ومن ورائه الجهاز الإداري التنفيذي للدولة، بل وحتى بعض الرموز غير الملوثة من بقايا الحزب الوطني وعلى رأسهم د.حسام البدراوي وغيره ـــ قد باتوا جميعا على قناعة تامة بضرورة التغيير الحقيقي للنظام المصري، كما أوضحت في المقال السابق(راجع مقال: ثورة 25 يناير والقوى المؤثرة في الأحداث).

أضف إلى ذلك الإرادة الغربية الحاسمة ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية في إحداث التغيير، بعد أن ظهر للعيان أن النظم الشمولية باتت غير قادرة على تحقيق المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، حتى أن هيلاري كلينتون قد أرسلت تحذيرات واضحة صريحة لكافة الدول العربية بأن أوان التغيير الحقيقي قد حان، وأنهم ليسوا بعيدين أبدًا عن عدوى الثورة المصرية في القريب العاجل.

وفوق هذا كله فلدينا هذا التغير الاجتماعي النفسي الهائل الذي حدث في شخصية الإنسان المصري، فلقد أحدثت هذه الثورة تحولًا جذريًا في الشخصية المصرية، حتى باتت غير قابلة للاستخذاء أو العيش في ظل الكرامة المنقوصة، وإهدار حقوق الإنسان، فلقد عرف الشارع المصري الطريق إلى ميدان التحرير، وكلما أريقت منه الدماء زاد إصراره قدما على المضي في طريق التغيير، ومثل هذا الشعب الواعي لا يمكن الالتفاف عليه أو خداعه تمامًا كالإنسان الغربي الذي تعود العيش في أجواء الحرية والديمقراطية الحقيقية.

موازين القوى السياسية الداخلية:

والذي أراه أن مفتاح التفسير الحقيقي لهذه المشكلة إنما يبدأ من النظر في تحليل خارطة القوى المؤثرة في الأحداث التي أوضحناها تفصيليا في مقال سابق، مع التركيز على محاولة صياغة هذه المعضلة في السؤال التالي: ماذا سيحدث إن تنحى الرئيس مبارك عن سدة النظام في تلك المرحلة؟

وبالنظر إلى تحليل القوى المؤثرة في المشهد السياسي الحالي نجد أن قوة الإخوان المسلمين هي القوى المعارضة الأوفر حظًا والأكثر استعدادًا لحصد ثمار المرحلة القادمة والتي يجب أن يتوافر فيها الحد الأدنى من الديمقراطية الحقيقة، بحيث تمثل كل قوة برصيدها الحقيقي في الخارطة السياسية القادمة، من خلال انتخابات حرة ونزيهة، تحت إشراف قضائي ومراقبة دولية.

وذلك لأن الإخوان المسلمين هم القوة المعارضة الأكثر تماسكًا وتنظيمًا وحضورًا في الشارع المصري بالمقارنة مع قوى المعارضة الأخرى، فإذا ما أجريت انتخابات حرة ونزيهة فإنهم قد يشكلون نصابًا يمكنهم من تشكيل الحكومة، وهو السيناريو الذي تأباه أمريكا والنظام وكافة قوى المعارضة.

ورغم سقوط استراتيجية الفزاعة الإخوانية التي درج النظام على استخدامها لتبرير عدم قيامه بالإصلاحات السياسية التي يطالبه الغرب بها، بعد أن أظهر الإخوان نضجًا سياسيًا واضحًا في خلال الأزمة الحالية، فلم يقوموا باستغلال المظاهرات في محاولة لتوجيهها إسلاميًا، أو صبغها بالصبغة الإخوانية الإسلامية، أو ربطها بالقضية الفلسطينية نصرة لحماس أو ما شابه، وإنما حرصوا فقط على المشاركة في إنجاح المظاهرات لاستخدامها كورقة ضغط على النظام، حتى بدا أن الولايات المتحدة ليس عندها مشكلة في التعامل مع الإخوان إن جاءت بهم تطورات الأحداث على رأس المشهد السياسي القادم؛ لكن المشكلة أن ذلك النضج السياسي الوليد الذي أظهره الإخوان إنما يحتاج إلى وقت ومران حتى يصل إلى درجة كافية لتمثيل السيناريو الأردوجاني في مصر.

و بالنظر إلى القوى السياسية الأخرى فإنها جميعًا بوضعها الحالي قد لا تستطيع أن تحدث توازنًا حقيقيًا مع الإخوان بحيث تتشكل حكومة ائتلافية يسهم فيها الإخوان بنصيب على أن لا تكون لهم الأغلبية فيها، فالحزب الوطني الحاكم لا يستطيع بوضعه الحالي أن يحظى بنصيب كبير في أي انتخابات برلمانية حقيقية، في ظل الكراهية الطاغية التي يتمتع بها لدى معظم المصريين باعتباره رمز الفساد والاستبداد في حس الشعب لا سيما في السنوات الأخيرة التي شهدت التزاوج بين السلطة ورأس المال في مصر من خلال حكومة رجال الأعمال السابقة.

وحتى مع تلك العملية التجميلية التي أجراها النظام لحزبه من خلال إقالة الرموز المكروهة، وتعيين بعض الوجوه المقبولة التي عرفت بالنزاهة والاستقامة والرفض الإجمالي للأوضاع السابقة متمثلة في فريق د.حسام البدراوي وغيره، فإن شعبية الحزب الوطني تبقى محدودة للغاية لدى جموع الشعب المصري.

وأما أحزاب المعارضة الأخرى فمعروف حجم تواجدها الجماهيري المتواضع الذي لا يرقى لتاهيلها لمشاركة حقيقية وفعالة في حصة التمثيل السياسي في المرحلة القادمة، حتى أنها عرفت طوال عهد مبارك بأنها مجرد أحزاب كرتونية لا تعدو كونها ديكورًا ديمقراطيًا لتجميل وجه النظام.

وحتى القوة الشعبية الكبرى في المشهد السياسي المصري الحالي والتي تمثل عصب الثورة المصرية، وهم شباب 25 يناير، فرغم أنها القوة الرئيسية المحركة للحدث، فإنها بوضعها الحالي لا تستطيع أن تشارك بصورة مباشرة في الحكومة القادمة وذلك لأنها ما زالت بعد قوة وليدة مبعثرة، لا تتمتع بالنضج السياسي الكافي، وليس لها قيادة موحدة، أو تمثيل حزبي، ومعظم أفرادها دون السن القانوني للترشيح في المجالس النيابية، حتى أنه من المرشح أن تكون مثار التنافس الرئيس بين القوى السياسية في المرحلة القادمة، كل يريد أن ينال نصيبه منها.

السيناريو الأوفق:

ويبدو لي من خلال قراءة الأحداث، والإجراءات التي يقوم بها النظام المصري الحالي أن الاستراتيجية التي سيتبعها النظام للخروج من هذه الأزمة قد تتمثل في محاولة كسب الوقت لإجراء مجموعة من الخطوات الإصلاحية، التي تسهم في إعادة هيكلة الأوضاع والتوازنات السياسية بحيث تكون النتيجة النهائية مفضية إلى مجرد مشاركة الإخوان في حصة معقولة تجعلهم القوة المعارضة الأكبر في البرلمان المصري، دون أن يشكلوا أغلبية تمكنهم من تشكيل الحكومة، ومن ناحية أخرى تسهم هذه الإجراءات أيضا في تهدئة الجماهير الثائرة وإقناعهم أن النظام الحالي يسير فعلا في خطوات جادة نحو التغيير المنشود.

وتتمثل بعض هذه الخطوات فيما يلي:

1- مواصلة الحوار الجاري مع المعارضة المصرية وسائر ألوان الطيف السياسي المصري، مع تشكيل لجنة للمتابعة التنفيذية لما يتم الاتفاق عليه، لضمان جدية التنفيذ أمام الشعب والمعارضة.

2- تشكيل لجنة من أجل إجراء التعديلات الدستورية المطلوبة لا سيما تلك التي تتعلق بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية وتحديد مدة الرئاسة وآليات الإشراف على الانتخابات.

3- تشكيل لجنة لتقصي الحقائق لمعرفة المسئول عن أحداث العنف الأخيرة ومحاسبته قانونيًا على جرائمه.

4- تقديم نماذج واضحة مدوية لمحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين، على النحو الذي يتم الآن مع وزير الداخلية السابق.

5- تأخير حل مجلس الشعب الحالي إلى ما بعد إقرار التعديلات الدستورية، بعد مطالبة الرئيس مبارك بها، بل قد تطول هذه الفترة إلى ما بعد انتهاء مدة ولاية الرئيس مبارك، والقيام بالانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات التشريعية، وذلك لتعهد الإخوان بعدم خوض الانتخابات الرئاسية، بل وصعوبة فوزهم إذا ما قدموا مرشحًا لهم فيها، لأن الانتخابات الرئاسية إنما تعتمد على الوزن الشعبي الحقيقي للشخصيات وليس على الدوائر الانتخابية التي يجيد الإخوان التعامل معها، والمحصلة أن جميع المرشحين المحتملين للرئاسة سيكونون من غير الإخوان المسلمين، وقد يكون عمرو موسى وأحمد شفيق ومحمد البرادعي هم أوفر الشخصيات حظًا في سباق الرئاسة القادم.

6- إعادة هيكلة ما تبقى من الحزب الوطني، وتقديم الدعم الكافي لأحزاب وقوى المعارضة، ومحاولة إيجاد صيغة تمثيل حزبي لقوة شباب 25 يناير، من أجل قدرة هذه القوى مجتمعة على الفوز بالنصيب الأكبر من الحصص السياسية في المرحلة القادمة، لمنع الإخوان من تشكيل الأغلبية.

والمتوقع هنا أن تظل المواد الدستورية الخاصة بالصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية كما هي، وذلك لضمان إمكان استخدامها في إحداث التوازن السياسي المطلوب.

وقد نرى أيضًا بعد إجراء التعديلات الدستورية المطلوبة ذهابًا للرئيس مبارك للعلاج في ألمانيا أو غيرها مع تفويض صلاحياته إلى نائبه عمر سليمان، إذا ما زاد الضغط الشعبي الحالي عن الحد الذي يستطيع النظام تحمله في المرحلة القادمة.

ولعل هذا السيناريو هو الذي يبرر تغير اللهجة الأمريكية في خطابها إلى النظام المصري، والإيحاء بأهمية وجود مبارك في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة التي تمر بها مصر.

كتبه: أ.هشام مصطفى عبد العزيز.

نقلًا عن موقع المستشار، بتاريخ: 9/2/2011