الإصلاح والنهضة
الإصلاح والنهضة هو حزب مدني يحتضن دون تمييز جميع المواطنين وينطلق من أرضية مشتركة لترسيخ دعائم الدولة المدنية وإحترام سيادة القانون والدستور والمواطنة والتعددية

الرأي العام ودوره في صنع القرار السياسي

يعد اتخاذ القرار من أهم العمليات التي تميز العملية السياسية، حيث ينظر بعض الدارسين إلى السياسة باعتبارها سلسلة من القرارات المتوالية المتخذة لمواجهة المواقف المتتابعة، لذا اقترح “لاسويل” أن تكوين عملية صنع القرار السياسي بمثابة الإطار النظري الموحد الذي يستوعب كافة أجزاء العملية السياسية سواء أكانت محلية أم دولية.

ويعد الرأي العام من أحد العوامل المهمة بل والمشاركة في عملية صنع القرار، فمن المعروف أن تقنين العلاقة بين الرأي العام وصانعي القرارات يؤدي إلى خلق التفاعل الطبيعي بين اهتمامات وقضايا الرأي العام وقرارات السلطة السياسية، الأمر الذي يضمن الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي من ناحية وإحداث التغييرات المجتمعية بطريقة سليمة من ناحية أخرى.

فلا يستطيع أحد أن ينكر العلاقة الوطيدة بين الرأي العام وصنع القرار في مختلف المجتمعات والأنظمة السياسية، وكيف أن الرأي العام يعد من أهم العوامل التي يضعها صانع القرار في حسبانه مهما كان شكل النظام السياسي الذي يسيطر على مقاليد الحكم.

ففي النظم الديموقراطية يهتم صناع القرار بالرأي العام من منظور المشاركة في صنع القرار، أما في النظم الديكتاتورية فيهتم صناع القرار بالرأي العام إما للسيطرة عليه أو توجيهه أو حتى قمعه.

ومن هنا جاءت أهمية الكلام عن الرأي العام وصنع القرار في ظل المتغيرات العديدة التي طرأت على الساحة العربية والدولية، وفي ظل آليات العولمة والرأي العام العالمي والتي أصبحت قوى حقيقية تؤثر على صانعي القرارات في مختلف الدول، وخاصة الدول النامية أو دول العالم الثالث.

وفيما يلي عرض لأهم العوامل التي تؤثر في الرأي العام وصناعة القرار السياسي.

1- دور وسائل الإعلام في التأثير على صناعة القرار السياسي:

لوسائل الإعلام أدوار عديدة في المجتمع منها ما هو اجتماعي وما هو سياسي، ويتمثل دورها الاجتماعي في دورها التربوي حيث تقوم بدور التعليم والتثقيف والتوعية، بما تمثله من قوة هامة وفعالة ومؤثرة في شبكة العلاقات المجتمعية الحديثة.

وأما عن دورها في التأثير على صناعة القرار فوسائل الإعلام يمكن إن يكون لها دور في مرحلة ما قبل القرار؛ يتمثل في دفع صانع القرار نحو إصدار قرارات معينة.

أو يكون دورها أثناء صنع القرار واختيار البديل، وهي هنا تقدم بدائل مختلفة وتقوم بشـرح وتفسير ومميزات كل بديل.

وأخيرًا هناك دورها في مرحلة ما بعد القرار، حيث تقوم بنقل وتفسير القرارات للرأي العام، وهي في ذلك يمكن أن تؤثر في تنفيذ هذه القرارات، بتوجيهاتها تجاه هذه القرارات وأسلوبها في التعليق عليها.

2- دور النظام السياسي في التأثير على الرأي العام وصنع القرار:

القرار السياسي في معناه الحقيقي ليس إلا حلقة وصل للتقابل  بين القوى السياسية ومظهر من مظاهر التفاعل بين القوى لمنع التوتر في المجتمع السياسي.

وهناك نوعان من النظم السياسية تختلف كل منها في التأثير على صنع القرار السياسي؛ وهما النظام الديموقراطي والنظام التسلطي الديكتاتوري، ومن ثم وجب علينا التمييز بينهما في عملية التأثير على صناعة القرار.

ومرد التمييز بينهما هو كيف تنساب قوة الرأي العام في مراحل تكوين القرار السياسي دون أي اعتبار آخر، أو بعبارة أدق مرد ذلك التمييز هو وظيفة الرأي العام في تحديد صياغة القرار السياسي.

أولًا ـ النظم الديموقراطية:

القرار السياسي في الجماعة الديموقراطية أساسه حركة متصلة لأقلمة متبادلة من السلطة الحاكمة لتتقابل مع الطبقة المحكومة في منتصف الطريق تتحدد عنها الصياغة النهائية للقرار السياسي.

فالجماعة الديموقراطية تعلم بأن الجماعة السياسية تنقسم إلى طبقتين: أحداهما حاكمة والأخرى محكومة، فالأولى تقود الجماعة وتضع عناصر تلك القيادة، والثانية تخضع لتلك القيادة لأنها تعبر عن آمالها وتحقق مثلها الأعلى السياسي، وعلى أن الطبقة الحاكمة عندما تضع القرار السياسي المعبر عن سلطاتها لا تفرضه بطريقة تحكمية، فهي تسعى لتجعله علي قدر الإمكان موافقًا ومعبرًا عن تيارات الرأي العام المختلفة، وحيث يتحدد التوازن بين العناصر الفنية لصياغة القرار السياسي والاتجاهات الحقيقية للرأي العام، يتحدد نطاقه بإمكانيات الطبقة  الحاكمة.

ثانيًا: في النظم الديكتاتورية:

هنا نجد طريقة تكوين القرار السياسي تختلف اختلافًا كاملًا.

فالنظم الديكتاتورية ترى في القرار السياسي أمرًا إكراهيًا يتحدد مقدمًا وعلى الطبقة المحكومة أن تقوم بحركة إيجابية تحت تأثير الدعاية السياسية ليتم استيعابها في الحدود الإشعاعية للقرار السياسي.

وبالتالي فإن الرأي العام يصير موقفه سلبيا بحتا , فهو لا يناقش ولا يستطيع أن يقترح التعديل , وإنما يتعين عليه أن يتأقلم في حدود القرار السياسي الذي تحدد مقدما.

3- دور الأحزاب السياسية في التأثير على صناعة القرار:

فالأحزاب السياسية تقوم بدور هام في تكوين الرأي العام وتوجيهه من خلال نشـر وتجديد الثقافة السياسية لدى الجماهير والتي تؤثر في تشكيل الرأي العام، وهي عن طريق صحفها ومجلاتها وطرحها لأفكارها تلعب دورًا هامًا في التأثير على الرأي العام من خلال تعزيز التعليم والثقافة السياسية للقاعدة الشعبية سواء في عامته أو تكوين نخب ممتازة تكون نواة العمل السياسي والقيادي فيما بعد.

ولكن علينا أن نذكر أن دور الأحزاب في صنع القرار السياسي يتأثر باعتبارات كثيرة منها: نوع التنظيم الداخلي للحزب، ونوع العلاقات السياسية القائمة في داخله، وقدرة الأحزاب على التحرك داخل النظام السياسي أو بمعنى آخر مدى خضوعها للقوى السياسية والتيارات المختلفة: الاجتماعية والاقتصادية أو سيطرتها عليها، وأساس التنظيم الحزبي: التقارب الأيديولوجي الفكري أم المجتمع التنظيمي بالدرجة الأولى، ومدى قدرتها على جذب الرأي العام والتأثير فيه.

4- دور جماعات المصالح في التأثير على صناعة القرار:

جماعات المصالح هي: منظمات تعمل مستقلة عن إدارة أعضائها ولها مصالح سياسية أكيدة، ولكن الغالبية العظمى منها جماعات مصالح ولها صفة الدوام.

وتمثل جماعات المصالح في الدول الديموقراطية، جماعات ضغط قوية لا يمكن تجاهل تأثيرها عند تحديد خصائص صنع القرار السياسي في تلك الدول، ولهذه الجماعات أيضًا تأثير في فئات عديدة من مواطني تلك الدول فتتحكم في درجة مشاركتهم واتجاهاتهم الأيديولوجية.

تستطيع جماعات المصالح أن تشيد شبكة من الاتصالات الشخصية مع الشعب وتستطيع أن تنشر أيديولوجية معينة، أو أن تطرح بعض الموضوعات على الجماهير، وقد تحاول تقديم نماذج جديدة للثقافة السياسية من خلال تقديم حلول جديدة لمشكلات المجتمع.

5- دور المؤسسات الدينية في التأثير على صناعة القرار:

للمؤسسات الدينية أهمية ودور محوري بين الجماهير، وخاصة في الدول التي تقترب فيها الجماهير من هذه المؤسسات، وكثيرًا ما تم استغلال هذه المؤسسات كمنابر لتعبئة الرأي العام وتوجيهه، في العديد من القضايا كانت القيادات تلجأ إلى هذه المنابر، ودومًا تثبت هذه المنابر قدرتها وأهميتها، ولذلك لما تملكه من مكانه وهيبة في نفوس الجماهير.

(وقد قامت المؤسسات الدينية بدور خطير في تشكيل كثير من المعتقدات الراسخة في المجتمعات الغربية، فقد اعتمدت الأيديولوجية الرأسمالية ونظام المشـروع الحر على القوة الدافعية للإصلاح البروتستانتي، أما التأثير الراهن الذي تمارسه المؤسسات الدينية في تكوين الاتجاهات والآراء والتأثير على صناعة القرار، فإنه يعتمد على عاملين مرتبطين:

يتمثل أولهما: في درجة مشاركة الفرد في العقيدة.

أما الثاني: فيتجلى في عمق المعتقد.

ولا نستطيع أن نتغافل أثر الاتجاهات الدينية ـ معتدلة أو متطرفة ـ في تكوين الرأي العام في العديد من المجتمعات).

وعمومًا نستطيع أن نقول أن الدين يعتبر واحد من النظم الكبرى التي تسهم في تكوين أنماط السلوك في الكثير من المجتمعات.

وفي الختام نخلص إلى مجموعة من الحقائق الهامة المتعلقة بهذا الموضوع

1-  أن العلاقة بين الرأي العام وصنع القرار تختلف من قضية إلى أخرى , فقد يكون التأثير هامشياً في بعض القضايا ومحورياُ في البعض الآخر , مباشراً في بعض القضايا وغير مباشر في البعض الآخر , سريعاً في بعض القضايا وبطيئاً في البعض الآخر .

2-  هناك عشرات العوامل التي تحدد حجم ونوع وأسلوب تأثير الرأي العام في صنع القرار , يأتي على رأسها طبيعة النظم السياسية ودرجة نضج الرأي العام والقوى الاجتماعية السائدة وسمات البيئة التي يحيا فيها الرأي العام وأسلوب صنع القرار .

3-  في كثير من الأحوال تستخدم الحكومات وسائل الإعلام كسلاح لخلق رأي عام زائف يعطي الانطباع بقبول الرأي العام للقرارات أو أنها جاءت نتيجة لاختياره الحر .

4-  في كثير من الحالات أيضاً يصعب ترجمة اهتمامات الرأي العام إلى قرارات محددة , والمشكلة تكمن في صعوبة التعرف الدقيق على حقيقة الرأي العام بالنسبة لمسألة محددة , والواقع أن هذه ليست مشكلة للرأي العام في ذاته , ولكن في كيفية التعرف عليه .

5-  وكما يؤثر الرأي العام في صنع القرار, يتأثر هو الآخر بالقرار , فمتى اتخذ القرار يتم تسويغه للرأي العام وحثه على قبوله , ومن ثم يصبح جزءاً من اهتماماته .

6-  إن درجة مساهمة الرأي العام في صنع القرار تعتمد بالدرجة الأولى على احترام حقوق الإنسان وحقه في الاختلاف وأن يكون له رأي مؤثر في صنع الحياة من حوله , ولن يتحقق ذلك في غياب مؤسسات المجتمع المدني وسيادة روح الاعتدال وقيم التوسط والتسامح والاعتراف بحق الآخرين في المشاركة والحياة الكريمة.

أ/ هشام مصطفى عبد العزيز